فصل: الفصل الرابع من المقالة العاشرة في الصدقات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  الفصل الرابع من الباب الأول من المقالة العاشرة في الصدقات

وفيه طرفان

  الطرف الأول قد جرت العادة أنه إذا تزوج سلطان أو ولده أو بنته

أو أحجد من الأمراء الأكابر أو أعيان الدولة أن تكتب له خطبة صداق تكون في الطول والقصر بحسب صاحب العقد فتطال للملوك وتقصر لمن دجونه بحسب الحال‏.‏

وهذه نسخة صداق كتب به للملك السعيد بركة ابن السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداري على بنت الأمير سيف الدين قلاوون الصالحي الألفي قبل سلطنته بالقلعة المحروسة من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر وهي‏:‏ الحمد لله موفق الآمال لأسعد حركة ومصدق الفأل لمن جعل عنده أعظم بركة ومحقق الإقبال لمن أصبح نسيبه سلطانه وصهره ملكه الذي جعل للأولياء من لدنه سلطاناً نصيراً وميز أقدارهم باصطفاء تأهله حتى حازوا نعيماً وملكاً كبيراً وأفرد فخارهم بتقريبه حتى أفاد شمس آمالهم ضياء وزاد قمرها نوراً وشرف به وصلتهم حتى أصبح فضل الله عليهم بها عظيماً وإنعامه كثيراً مهيئ أسباب التوفيق العاجلة والآجلة وجاعل ربوع كل إملاك من الأملاك بالشموس والبدور والأهلة آهلة جامع أطراف الفخار لذوي الإيثار حتى حصلت لهم النعمة الشاملة وحلت عندهم البركة الكاملة‏.‏

نحمده على أن أحسن عند الأولياء بالنعمة الاستيداع وأجمل لتأميلهم الاستطلاع وكمل لأخيارهم الأجناس من العز والأنواع وأتى آمالهم بما لم يكن في حساب أحسابهم من الابتداء التخويل والابتداع واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة حسنة الأوضاع ملية بتشريف الألسنة وتكريم الأسماع ونصلي سيدنا محمد الذي أعلى به الأقدار وشرف به الموالي والأصهار وجعل كرمه داراً لهم في كل دار وفجره على من استطلعهم من المهاجرين والأنصار مشرق الأنوار صلى الله عليه وعليهم صلاة زاهية الأزهار يانعة الثمار‏.‏

وبعد فلو كان اتصال كل شيء بحسب المتصل به في تفضيله لما استصلح البدر شيئاً من المنازل لنزوله ولا الغيث شيئاً من الرياض لهطوله ولا الذكر الحكيم لساناً من الألسنة لترتيله ولا الجوهر الثمين شيئاً من التيجان لحلوله لكن يتشرف بيت يحل به القمر نبت و يزوره المطر ولسان يتعوذ بالآيات والسور ونثار يتجمل باللآليء والدرر ولذلك تجملت برسول الله صلى الله عليه وسلم أصهاره وأصحابه وتشرفت أنسابهم بأنسابه وتزوج صلى الله عليه وسلم منهم وتمت لهم مزية الفخار حتى رضوا عن الله ورضي عنهم‏.‏

والمرتب على هذه القاعدة الفاضلة نور يستمده الوجود وتقرير أمر يقارن سعد الأخبية منه سعد السعود ولإظهار خطبة تقول للثريا لانتظام عقودها‏:‏ كيف وإبراز وصلة يتجمل يتم بها - إن شاء الله - كل أمر سديد ويتفق به كل توفيق تخلق الأيام وهو جديد ويختار لها أبرك طالع‏:‏ وكيف لا تكون البركة في ذلك الطالع وهو السعيد‏.‏

وذلك بأن المراحم الشريفة السلطانية أرادت أن تحصن المجلس السامي بالإحسان المبتكروتفرده بالمواهب التي يرهف بها الحد المنتضى ويعظم الجد المنتظر وأن ترفع من قدره بالصهارة مثل ما رفعه صلى الله عليه وسلم من قدر صاحبيه‏:‏ أبي بكر وعمر فخطب إليه أسعد البرية وأمنع من تحميها السيوف المشرفية وأعز من تسبل عليها ستور الصون الخفية وتضرب دونها خدور الجلال الرضية وتتحمل بنعوتها العقود‏:‏ وكيف لا وهي الدرة الألفية فقال والدها وهو الأمير المذكور‏:‏ هكذا ترفع الأقدار وتزان وكذا يكون قران السعد وسعد القران‏!‏‏!‏‏!‏ وما أسعد روضا أصبحت هذه المراحم الشريفة السلطانية له خميلة‏!‏ وأشرف سيقاً غدت منطقة بروج سمائها له حميلة‏!‏ وما أعظمها معجزة آتت الأولياء من لدنها سلطاناً‏!‏ وزادتهم مع إيمانهم إيماناً‏!‏ وما أفخرها صهارة يقول التوفيق لإبرامها‏:‏ ليت‏!‏ وأشرفها عبودية كرمت سلمانها بأن جعلته من أهل البيت‏!‏‏.‏

وإذ قد حصلت الاستخارة في قدر المملوك وخصصته بهذه المزية التي تقاصرت عنها آمال أكابر الملوك فالأمر لملك البسيطة في رفع درجات عبيده كيف يشاء والتصدق بما يتفوه به هذا بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب مبارك تحاسدت رماح الخط وأقلام الخط على تحريره وتنافست مطالع النوار ومشارق الأنوار على نظم سطوره فأضاء نوره بالجلالة وأشرق وهطل نوءه بالإحسان فأغدق وتناست فيه أجناس تجنيس لفظ الفضل فقال الاعتراف‏:‏ هذا ما تصدق وقال العزف‏:‏ هذا ما أصدق مولانا السلطان‏:‏ أصدقها ما ملأ خزائن الأحساب فخاراً وشجرة الأنساب ثماراً ومشكاة الجلالة أنواراً وأضاف إلى ذلك ما لولا أدب الشرع لكان أقاليم ومدائن وأمصاراً فبذل لها من العين المصري ما هو باسم والدها قد تشرف وبنعوته قد تعرف وبين يدي هباته وصدقاته قد تصرف‏.‏

وهذه نسخة صداق المقام الشريف العالي السيفي ‏"‏ أنوك ‏"‏ ولد السلطان الشهيد الملك الناصر ‏"‏ محمد بن قلاوون ‏"‏ على بنت المقر المرحوم السيفي ‏"‏ بكتمر الساقي ‏"‏‏.‏

وكان العاقد قاضي القضاة جلال الدين القزويني والقابل السلطان الملك الناصر والد الزوج وهي‏:‏ الحمد لله مسير لشمس والقمر ومسير حياة كل شيء باتصال الروض بالمطر ومبشر المتقين من دراري الذراري بأسعد كوكب ينتظر وأحمد عاقبةٍ تهتز لها أعطاف عظماء الملوك على كبر وتنجاب عن الأنجاب كما تتفتح الأكمام عن الثمر الذي مد الشجرة المباركة الملوكية فروعاً نحمده على نعمه التي أطابت لنا جنى الغروس وأطالت منا منى النفوس وأطافت بملوكنا حتى مدت لسؤالهم الأيدي وخضعت لأمرهم الرؤوس ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك شهادة نتخذها عصمةً نافعة ونعمة لحسن العاقبة جامعة ورحمة تبارك على أئمتنا وعلى أبنائهم البدور الطالعة والأنوار الساطعة والبروق اللامعة والغيوث الهامعة والسيول الدافعة والأسود التي هي عن حرم حضرتها مانعة ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أزان من تمسك له بحسب وشرف من اعترى إليه بالقربى أو اعتز منه بصهر أو نسب صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذي أرضاهم ورضي عنهم وكرمهم بصلته الشريفة لما زوجهم وتزوج منهم وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

أما بعد فإن من عادة الغمام أن يتفقد الأرض بمطره والبحر أن يسقي الزروع بما فاض من نهره والمصابيح أن تمد بأنوارها ما يتوقد والسماء أن لا يخلو أفقها من اتصال فرقد بفرقد ولو توقفت الفربى على مقارنة كبير أو مقارنة نظير لما صلحت الأغماد لمضاجع السيوف ولا دنت الكواكب من الشمس والقمر المنير ولا صافحت يمين شمالاً ولا جاوزت جنوب شمالاً ولا حوت الكنائن سهاماً ولا جمع السلك للجواهر نظاماً ولا طمح طرف إلى غاية ولا قدر لسان إنسان على تلاوة سورة ولا آية وإنما الصدقات الشريفة الملوكية لها في البر عوائد وفي ولم يزل من المقام الشريف الأعظم العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري أعز الله سلطانه على من لاذ به تسبل ذيول الفخار وتودع في هالات أقمارهم ودائع الأنوار وتؤهل أهلتهم لأن يكون منها أحد الأبوين لذريته الأطهار وتخطب من حجبهم كل مصونة يغور بها بدر الدجى وتغار منها شمس النهار‏.‏

وكان من تمام النعمة الشريفة السلطانية الناصرية على من تعرض لسحابها الماطر ووقف للاغتراف من بحرها الزاخر - ما رفعت به ذكره إلى آخر الأبد ولأتمت له السعادة إذ كان يعد في جدود من ينسب إليه من ولد وأكدت له بالقربى مزية مزيد واستخرجت من بحره جوهرة لا يطمح في التطوق بها كل جيد وقالت‏:‏ نحن أحق بتكميل ما بيننا وتخويل الخؤولة من أولينا وتأهيل من قر بنا عيناً وقربناه إلينا وتفضيل غرس نعمة نحن غرسناه واجتنينا ثمراته بيدينا فاقتضى حسن الاختيار الشريف الملكي الناصري لولده المقام العالي السيفي أحسن الله لهما الاختيار وأجرى بإرادتهما اقتدار الأقدار - أن تزف أتم الشموس إلى ستوره الرفيعة وتصان أكمل معاقل العقائل بحجبه المنيعة وتحاط أشرف الدرر في مستودعه وتناط أشرف الدراري بمطلعه وتساق إليه الكريمة حسبا العظيمة بأبيه - عظم الله سلطانه - أبا الذي كم له في خدمة الدولة القاهرة من مناقب كالنجوم ومذاهب تشبه بها البرق فتشبث بأذيال الغيوم لا يسامى ولا يسام ورأيه لا يرامى ولا يرام وسيفه في غير طاعتنا الشريفة لا يشيم ولا يشام وهو ‏"‏ سيف الدولة ‏"‏ لا كما يسمى به من استعار هذا اللقب في سالف الأيام كم له في مراضى سلطانه من رغبة بذل بها ما لديه وسمح فيها بولده وهو أحب شيء إليه وجاد بروحه أو بما هو أعز عليه كم نبهت بعزائمه السيوف من سناتها و كم وهبت من مكارمه الأيام ما يعد من حسناتها كم التهبت صورامه ناراً فجرت من جنباتها كم لسماء الملك بشهبه من حرس وبقضبه من قبس وكم قام وقعد في مصلحة وكان أدناهم من ملكه مقاماً لما قام وأعلاهم مجلساً لما جلس فسمع المقام العالي السيفي وأطاع وانتهى إلى ما برزت به مراسم والده - أنفذها الله - وامتثل أمره المطاع وعمل برأيه الشريف وهو ناصر السنة فقدم فيها ما استطاع وسارع إلى ما أمر الله به من الألفة والاجتماع واتبع السنة النبوية في تكثير الأمة بذرية أئمة ملوكية كل واحد منها له الأمة أتباع لعلمه اليقين أنه لو خطب له والده في أقطار الأرض إلى جميع الملوك لم يجد منهم إلا كل ملك عظيم وهو له عبد مملوك فأحيى سنة شريفة ملوكية ما برحت الخلفاء والملوك تحفظ بها قلوب أوليائها على أمداد المدى ويكفي من هذا ميمون فعل ‏"‏ المأمون ‏"‏ لما تزوج ‏"‏ بوران ‏"‏ من أبيها ‏"‏ ابن سهل ‏"‏ وخطب ‏"‏ المعتضد ‏"‏ إلى ‏"‏ ابن طولون ‏"‏ ابنته ‏"‏ قطر الندى ‏"‏‏.‏

وإذا اقتضى حسن النظر الشريف تشريف عبد فياحبذا التشريف ويا حبذا السبب الذي اتصلت له بالمقام الشريف الأسباب واحتفلت للاجتماع على سنة وكتاب فتحاسدت على إثباته صفر الأصائل وحمر النعم وتنافست على رقم سطوره صحائف السحاب وصفيح الماء وصليل السيف وصرير القلم وتمنت الكواكب لو اجتمعت في يومه المشهود والمناقب لو أنها حولها بمقانب خافقة البنود وودت نسمات الأسحار لو كانت هي التي سعت بالاتفاق والحمائم لو أبيح لها أن تغرد وتخلع ما في أعناقها من الأطواق بل السيوف لما رأت مقام الجلالة أغضت وغضت الأحداق والرماح لما بدا لها سرير الملك مائلاً وقفت على ساق‏.‏

فبرزت المراسم الشريفة - زادها الله شرفاً - بتحرير هذا الكتاب الكريم وتنضيد ما يصلح من الدرر لهذا العقد النظيم ونفذ المرسوم العالي المولوي السلطاني ما أمر به وصدق وتأدب إجلالاً لمقام أبيه الشريف فأطرق وتواضع لله فلم يقل‏:‏ هذا ما تصدق بل قال‏:‏ هذا ما أصدق المقام العالي السيفي أنوك ابن مولانا السلطان الأعظم مالك رقاب الأمم الملك الناصر السيد الأجل العالم العادل الغازي المجاهد المؤيد المرابط المثاغر المظفر المنصور الشاهنشاه ناصر الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين محيي العدل في العالمين منصف المظلومين من الظالمين ملك البسيطة ناصر السنة ركن الشريعة ظل الله في أرضه القائم بسنته وفرضه وارث الملك ملك العرب والعجم والترك خداوند عالم باشاده بني آدم بهلوان جهان وشهريار إيران اسكندر الزمان مملك أصحاب المنابر والأسرة والتخوت والتيجان فاتح الأقطار واهب الممالك والأقاليم والأمصار مبيد البغاة والطغاة والكفار صاحب البحرين حامي الحرمين خادم القبلتين كفيل العباد والعباد مقيم شعائر الحج والجهاد إمام المتقين قسيم أمير المؤمنين أبي المعالي محمد بن السلطان الشهيد الملك المنصور السيد الأجل العالم العادل المجاهد المؤيد سيف الدين والد الملوك والسلاطين أبي الفتوح ‏"‏ قلاوون ‏"‏ خلد الله سلطانه ونصر جنوده وجيوشه وأعوانه‏:‏ الحجاب الكريم الرفيع المنيع المصون المكنون الجهة المكرمة المفخمة المعظمة بنت الجناب الكريم العالي الأميري الأجلي الكبيري العالمي العادلي الممهدي المشيدي الزعيمي المقدمي الغياثي الغوثي الذخري الأوحدي الظهيري الكافلي السيفي ركن الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين نصير الغزاة والمجاهدين زعيم الجيوش مقدم العساكر عون الأمة غياث الملة ممهد الدول مشيد الممالك ظهير الملوك والسلاطين عضد أمير المؤمنين بكتمر الساقي الناصري ضاعف الله نعمته‏.‏

أصدقها ما تلقت به أنسابها إجلالا وبلغت به أحسابها جمالا وطلعت في سماء الملك هلالا ولبست فخارا وقبست أنوارا وأوت إلى حصن حصين ووصلت إلى مقام أمين ‏"‏ وآبت ‏"‏ بأموال وبنين ما لولا أدب الشرف وتجنب السرف والعمل بالشرع في تعيين معلوم وتبين مقدار مفهوم لخرج عن كل وصف محدود وقدر معدود ولما قام به موجود ولكان مما تقل له الممالك ولا يستكثر لأجله الوجود‏.‏

قدم لها من الذهب العين المصري المسكوك ما هو بنقد ممالك والده معروف ومن حقوقه مقبوض وفي هباته مصروف ما يحمد مآلا وينمى مالا ويأتي كل دينار منه ووجهه بذكر الله واسم أبيه يتلالا‏.‏

أصدقها على بركة الله تعالى وعونه وتوفيقه كذا وكذا عجل لها كذا وكذا قبضة وكيل والدها من وكيله قبضاً تاماً كاملاً وتأخر بعد ذلك كذا وكذا ديناراً حالاً على ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏:‏ ‏"‏ إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ‏"‏‏.‏

وولي تزويجها منه على الصداق المعين بإذن والدها - أعزه الله تعالى - المقدم ذكره‏:‏ - العبد الفقير إلى الله تعالى قاضي القضاة حاكم الحكام خطيب خطباء المسلمين جلال الدين خالصة أمير المؤمنين أبو المعالي محمد ابن قاضي القضاة سعد الدين أبي القاسم عبد الرحمن ابن الشيخ الإمام العالم العلامة إمام الدين أبي حفص عمرو بن أحمد القزويني الشافعي الحاكم بالديار المصرية المحروسة وأعمالها وبلادها وجندها وضواحيها وسائر الممالك المضافة إليها بالولاية الشرعية أدام الله أيامه وأعز أقضيته وأحكامه فقبل مولانا السلطان - خلد الله ملكه - لولده المسمى - أدام الله تعالى نعمته - ذلك منه قبولاً شرعياً يخاطب عليه شفاهاً بحضور من تم العقد بحضوره في دار الملك بالقصر الأبلق بقلعة الجبل حرسها الله تعالى بكرة يوم السبت حادي عشرين من صفر سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة‏.‏

وهذه نسخة صداق المقر الشريف إبراهيم ابن السلطان الشهيد الملك الناصر محمد بن قلاوون من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله وهي‏:‏ الحمد لله مغني الملوك بالمظافرة ومكثر زينة الأسماء بنجومهم الزاهرة ومكبر أقدار الأولياء بما تمت النعمة به من شرف المصاهرة‏.‏

نحمده على نعمه التي شرفت قدراً وصرفت أمراً وأطلعت من هالة البدر المنيري شمساً لا تتخذ غير الأفق خدراً ولا تتمنى الليالي والأيام إلا أن تقلدها من الأشعة ياقوتاً ومن الكواكب دراً ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له شهادة تجمع من حماة الدين نسباً وصهراً وترفع في أنباء الأبناء لها حسباً وذكراً ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي عصم به وخص صفوة الخلق في المصاهرة باختلاط نسبهم بنسبه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تستوثق بها الأسباب وتستوسق الأنساب وتبقى أنوارها بملك أبناء الملوك كلمة باقية في الأعقاب وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فلما جمع الله بملوك البيت الشريف المنصوري - كثر الله عددهم - شتات الإسلام ومحا ببوارق جهادهم ما امتد من ظلام حتى انتهت النوبة إلى من أصبحت به الدولة القاهرة وكل أوقاتها أنوار صباح ونوار أقاح وسماء سماح وأسمى نعم لا تعد إلا معاقد تيجان الملوك على كل جبين وضاح المقام الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري زاد الله شرفه وأعلى على شرفات بروج السماء غرفة فأحب - لما أجراه الله به وبمن سلف من ملوك بيته لشريف من تأييد هذه الأمة وتأييد ما شملها بفتوحاتهم المذهبات الفتوح من سوابغ النعمة أن يعمل بقول نبيه المشرف بموافقة اسمه ومتابعة حكمه في التزويج وأن تقع مواقع أمطاره على كل أرض حره فتنبت كل زوج بهيج‏.‏

وكان من بنيه - أدام الله سعودهم - من يطيع في كل أمر أمره العالي أدام الله تمكينه ولولا هذا لما رضي سوىأقران الفرسان له قرينة وكان من نجبائهم إذا عدت الأولاد وأحبائهم إذا كان كما يقال‏:‏ الولد ثمرة الفؤاد ومن هو لجملتهم جمال ولدولتهم دلال ولغابهم أسد الأشبال - من يعترف كل من عرفه بفضله ويؤمل في أبناءه ما لأبناء سميه إبراهيم صلى الله عليه وسلم من بركة نسله‏.‏

برز المرسوم الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري أنفذه الله في الأقطار بأن يتخير لمغرسه الكريم ونسبه الصميم وصباحه المشرق وسماحه المغدق فصادف الإحسان موضعه وانتخب له من مشرق البدر التمام مطلعه ومن هو من هذه الدولة القاهرة على الحقيقة باليمين ومن هو البحر الزاخر ومن مكنونه يستخرج أفخر الثمين فبادر الخاطب إليه إلى اغتنام هذا الشرف الذي لا يطاول وعاجل هذه النعمة التي لولا فضل الله وصدقات سلطانه - خلد الله ملكه - ما كانت مما تحاول وقال‏:‏ إن رضيت تلك الستور بهذه المخطوبة أو أهلت تلك السماء العالية هذه المحجوبة فهي لما أهلت له في خدمة ذلك المقام الأمين وهي كما شاء مالكها المتصدق من ذوات العفة وإلا فهي مما ملكت اليمين فأتمت الصدقة الشريفة عوارفه بما هو أشرف مقاما وأعظم لها في رتبة الفخار فهي تسمو بهذا ولا تسامى وشرفته بما وصلت إليه عند المقر الشريف من المقام الكريم ولم تكن إلا من ذوات العقود ولا كيد ولا كرامة لما ينجلي به الليل البهيم ولا لما يتحلى في جيد الجوزاء من عقد درها النظيم ولولا إجلال المقام عن التطويل لما اختصر القائل فقال‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أصدق‏.‏

الخ‏.‏

  الطرف الثاني في صدقات الرؤساء والأعيان وأولادهم

وهي على نحو من الصدقات الملوكية في الترتيب إلا أنها أخصر ومن الألقاب بحسب أحوال أصحابها من أرباب السيوف والأقلام‏.‏

وهذه نسخة صداق جمال الدين عبد الله ‏"‏ بن سيف الدين أبي سعيد أمير حاجب ‏"‏ على بنت بيدمر العمري من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله وهي‏:‏ الحمد لله مبلغ كل آمل ما يرجوه وراعي ذمم من لم ينسوا عهده ولم يخلفوه ومكمل الخير لكل ذي ‏"‏‏.‏

‏"‏ يصدوا من يجفوه ومجيب كل منيب يدعوه قائماً قاعداً‏:‏ ‏"‏ ولما قام عبد الله يدعوه ‏"‏‏.‏

نحمده حمداً نكرر فضله ونتلوه ونحل معضله ونجلوه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يتظافر عليها الآمر المسلم وبنوه وتبيض بها وجوه الأوداء وتسود وجوه الأعداء يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي سعد به ذووه وصعد قدر صهره وحموه وشرف نسباً ما التقى فيه على سفاح هو ولا أولوه صلى الله عليه وعلى أله وصحبه صلاة لا يزال بها الروض الأرج يفوه والسحر يبلغها ولو سكت وختم بالبرق فوه وسلم تسليماً‏.‏

وبعد فإن أزهى زهر طاب مجتنوه وطال باعاً في الفخار مجتبوه زهر كمامه جرت عنها لأمة كمي وأبرزتها سنة الإسلام من حجاب ذي أنف حمي وطلعت من أفق بدري طالما سنح مجتلوه وحمى سيف أمن في كلئه بكلاءته مختلوه‏.‏

وكان الجناب الجمالي عبد الله ابن المرحوم سيف الدين أبي سعيد أمير حاجب أدام الله تعالى علاه ورحم أباه هو ولد ذلك الوالد وطارف ذلك التالد ونشو هذه الدولة الشريفة الكاملية التي أخذ منها حظه بالتمام والكمال وأصبحت به كالغادة الحسناء ذات الحسن والجمال ولم يمت أبوه في أيام سلطانها - خلد الله ملكه - حتى قرت به عينه وساواه في الإمرة لولا تفاوت العدة وقدم المدة بينه وبينه وجاء منه ولد نجيب وابن شاع وذاع سر أبيه وحمد وهذا عجيب‏!‏‏!‏‏!‏‏.‏

ولما انتقل والده رحمه الله تعالى إلى رحمة ربه وشرب بالكأس الذي لا بد لكل حي من شربه - تطلب مثل ذلك الأب ولم يزل يجد حتى وجد وظفر بوالد إن لم يكن ولده حقيقة فإنه عنده مثل الولد وهو المقر بيدمر وهو الوالد الذي لم يفقد معه من والده ذرة والأب الذي هو أرأف من كل أم برة والنير البدري الذي سعد قرانا وصعد وداس بقدمه أقرانا وقسم د هره شطرين‏:‏ نهاره للضيوف قرى وليله لله قرآنا‏.‏

هذا إلى أنه طالما طيب لزكاة أمواله وثمرها وزين في أعماله بمدرسة عمرها وقيد شوارد حسناته وثقفها مع أنه شيد الممالك وسدد أمورها وسد ثغورها وحمى ببيض سيوفه السواد الأعظم ورمى بصوائب سهامه النوائب ولم تستعظم ولم تزل نوب الأيام تجرب منه مسوريا وتجرد حراً كريماً جاء في أول السنة صقراً بدرياً فكان من تمام بره بمن سلف إجابة ولده وإجالة الرأي فيما يكون سبباً لصيانة عزمته وذات يده فأنعم له بعقيلته الممنعة وربيبته التي غدت الشمس منها سافرة مقنعة وقال‏:‏ على الخير والخيرة وابن أخ كريم وجدع الحلال انف الغيرة وما أسنى عقداً يكون متوليه ومنشئه إحساناً منه ومسنيه مولى به نظمت عقود اللآلي ورقمت بعلمه أعلام الأيام وذوائب الليالي وسلمت القضايا به إلى منفذ أحكامها ومنيل الفضل لحكامها البحر الزاخر والنجم الذي كم ترك الأول منه للآخر والغمام إلا أنه قضت صواعقه على الخصوم والإمام الذي أجمعت عليه السنة ولم تنكر الشيعة أنه الإمام المعصوم والعالم الذي ما برحت بروقه تشام وحقوقه على أهل مصر والشام والذي ولى الظلم منذ ولي واعترف ذوو الفضل والفصل في القضاء أن أتقاهم تقي الدين واقضاهم‏:‏ قاضي القضاة أبو الحسن ببقائه يجلى الحزن و ‏"‏ هو ‏"‏ الذي في حكمه يجري على أقوى ‏"‏ سنن ‏"‏‏!‏ طود إذا وازنته بالطود في حكم وزن‏!‏ فأضاء المحفل به وبالحاضرين وقام شغار الدين حتى قال القائل‏:‏ هذه سيوف المجاهدين وهذا سيف المناظرين وقيل‏:‏ هذا وقت جود قد حضر وموضع سرور ينبغي أن يعجل منه ما ينتظر فابتدئ السعد محياه الوسيم وافتتح فقال‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم هذا‏.‏

وهذه نسخة صداق ناصر الدين محمد بن الخطيري من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله وهي‏:‏ الحمد لله الذي زاد الأصول الطيبة قرباً وزان الأنساب الطاهرة بصلة تتأكد حباً وصان كرائم البيوت القديمة الفخار بمن يناضل عن حسبه ذباً ويناظر العلياء فلم يبن إلا بين منازل النجوم بيوتاً ولم يسبل سوى السمر سمر القنا حجباً‏.‏

نحمده حمد من دعاه قبل بث النسم فلبى واستدعاه لأخذ العهد عليه أمام تفريق القسه فما تأبى ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تستنطق ألسنة وتشكر قلبا وتستغدق أنواء السرور فتضيء البشائر بروقاً وتمطر الرحمة سحبا ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي قام في تكثير الأمة حتى زاد عددها على مواقع القطر وأربى وقال مما أمر به‏:‏ ‏"‏ قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ‏"‏ صلى الله عليه وعلى آله و صحبه وعلى أقرباءه صلاة تضم آلاً وبعد فإن أولى ما اشتبك وشيجه واشتبه في منابت الأيك بهيجه وانتبه في أرائك الخمائل أريجه وانتدب لإتيانه الأفق وظهر عليه من ذهب العشاء تمويهه ومن لمع الصباح تدبيجه - ما اتبعت فيه الشريعة المطهرة حيث لا تختلف الأئمة والسنة النبوية على من سنها أفضل الصلاة والسلام فيما تأتلف به البعداء وتكثر لمباهاته الأمم يوم القيامة هذه الأمة وتدنو به الأجانب بعضهم من بعض ويجعل بينهم مودة ورحمة وتعد به أياد جمة لا تحصر ويخلد به في العاقبة شرف الكر ويتعجل به شرف النعمة وهو النكاح الذي تشتد به الأواصر وتعتد به الموارد لتمثيل أكثر الصور من أزكى العناصر وتمتد به همم الأبطال لما يستخرجه بحفدة أبنائه من أتم قوة وناصر‏.‏

وأكمله ما تماثلت في أشرف البيوت العريقة وجوه فخاره وتقابلت في مطالع السعود - حيث البدر المنير والشرف الخطير - مشارق شموسه ومطالع أقماره‏.‏

وكان الأبوان في أهل الفخار من جرثومة بسقا وأورامة تفرقت فروعها ثم تلاقى منها غصنان واعتنقا من بيت ما حجبه إلا مواضي الصفاح ولا شهبه إلا طلائع الأسنة في رؤوس الرماح ولا سحبه إلا ما يفيض على جنباته من النفوس أو يفيض من السماح ولا سجفه إلا المناقب لولا أن الثريا جاذبت ما يعرض في السماء أثناء الوشاح وكان هو الراغب إلى عمه الخاطب إليه ما لم يكن يخبأ إلا لقسمه الطامح بنظره إلى عقيلة الفخار في غرفها الطامع بخطبه الشمس شمس النهار إلا أنها في بيت شرفها المتوقع من كرم عمه الإجابة التي لحظها بأمله وتولية يد كريمة لا يعتدل الزمان إلا إذا حملت شمسها في بيت حمله توقعاً لنسل لا يزال به شرف هذا البيت الكريم موجوداً ونسب إذا عد ولد منه الأباء عد جدين سعيدين هذا مسعوداً وهذا محموداً فتلقى قصده بإكرام بوأه أكناف الشرف وأوطأه فرش الكرامة ممتعاً بنعيم الترف ابتداعاً للكرم المألوف واتباعاً للسنة الشريفة إذ كان الأقربون أولى بالمعروف‏.‏

فتباريا جوداً سارع كل منهما في أداء حقه إلى الواجب وتجاريا إليه ليلحقا شأو أبويهما وكل منهما يعلم أنه العين والعين لا ترتفع على الحاجب وأتم الجناب الشرفي محمود - أدام الله نعمته بحسن إجابته ويمن رغبته في أهل عصبته وأهل جنوده إلى أن ساروا إلى الهيجاء تحت عصابته بأن فوض هذا الأمر إلى أخيه الكبير والد الخاطب وسكت وقال‏:‏ هو في التصرف وعني المخاطب وله الأمر ولولا الشرف بنسبة الأخوة إليه لما قلنا‏:‏ إلا إننا ملك يده وإذا كان العم صنو الأب فأي فرق بين ولدي وولده ولئن اختص في نسبته هذه الزوجة في يومه هذا فإن أولادها لا تعرف إلا به في غده فكمل هذا العقد وأشرق به السعد الطالع أضوأ مما قدم وأخر من النقد وكان من تمام التكريم أن قال قائله‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

الحمد لله الذي رفع إلى المنازل العلية من كان تقيا وجمع شمل من لم يبرح لسنن السنن تابعاً وبها حفيا وخلع أثواب الثواب على من سرح طرف طرفه في روض التأهل وجعله وضيا‏.‏

نحمده على نعمه التي من هز جذع نخلها تساقط عليه رطباً حنيا ونشكره على فضله الذي كم أجرى لقاصده من بحره المعروف سريا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تمنح قائلها في غرف الجنة مكاناً عليا ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي آتاه الله الكتاب وجعله نبيا الآمر بالنكاح ليكاثر بهم الأمم يوم يقربه الله نجيا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كان يحل منهم في حالتي الكرم والكرمات وليا ما أطلع التوفيق في آفاق الاتصال من الأنساب الكريمة كوكباً دريا وسلم تسليماً كثيرا‏.‏

وبعد فإن أولى السنن بالاتباع سنة النكاح التي أخفى نور مصباحها شمس الصباح وخففت على معالمها أعلام النجاة والنجاح وحمد المسير إلى ربوعها الآهلة بأهلة العصمة في الغدو والرواح يا لها سنة سنة وجهها جميلة وتبلغ النفوس من الصيانة أقصى مناها ويظفر أولو الرغبة فيما أحل الله بمطلوبهم وتؤلف بين لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم وهي الوسيلة التي سواد هذه الأمة والذريعة إلى ‏"‏ بقاء ‏"‏ النوع الذي أظهر الله في سماء التكريم نجمه وإليها الإشارة في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها ولما كان كذلك رغب في اقتناء آثارها واهتدى بالضوء اللامع من أقمارها من يتشرف المكان بذكر وصفه ويتعطر ما انتشر في طيبه من طيب عرفه ماجد عمر البلاد الساحلية بدوام ديمه وجواد ما جاوره البحر إلا ليقتبس من كرمه ورئيس امتطى ذروة العلياء بحسن السلوك وأريجي لو لم يكن صدراً لما أودع سر الملوك إن تكلم أبرز لك الجوهر المصون لم يكن صدراً لما أودع سر الملوك إن تكلم أبرز لك الجوهر المصون وإن كتب ضحكت لبكاء قلمه ثغور الثغور والحصون لله نسبه المشهور بين الأكابر الأعيان وبيته المعمور بالعين المرفوع خبرها إلى فتيان فخطب من علا قدرها واشتهر بالحسن الجميل ذكرها وجلت عن أن ترى العيون لها في الصون شبيهاً وعمت البقاع سحب بركة أبيها أكرم به عالماً عاملاً وإماماً لم يزل يبدي فضلاً ويسدي نائلاً كم له من آثار مشهورة ومناقب مأثورة وصدقات مبرورة ومواطن بذكر الله معمورة‏.‏

فقوبل بالبشر قول رسوله ورد رائده مخبراً ببلوغ سوله وقيل له بلسان الحال‏:‏ هذا ما كانت تنتظر الآمال ياله عقداً غلت جواهر عقوده وأنارت في آفاق الاتفاق أنجم سعوده وتمايلت قدود الأفراح وزهت مجالس السرور بالانشراح وهبت قبول الإقبال وقام الإقبال وقام القلم خطيباً على منبر الطرس فقال‏:‏ وهذه نسخة صداق من إنشاء الشيخ صلاح الدين الصفدي للقاضي بدر الدين خطيب بيت الآثار على بنت شمس الدين الخطيب من بيت الآثار تسمى سولي في مستهل جمادى الآخرة سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة في مجلس مولانا قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي أدام الله أيامه وهي‏:‏ الحمد لله الذي زين سماء المعالي ببدرها وأنبت في رياض السعادة يانع زهرها وألهم ذوي الهمم أن يبذلوا في الكرائم غوالي مهرها‏.‏

نحمده على نعمه التي جللت ما صفا من لباسها وسوغت ما صفا من رضاب كاسها وخصنا بما عمت به من أنواع أجناسها وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعلمنا في الإيمان نصها بالأداء وبنى اسمها على الفتح كما فتح المضاف في النداء ورفع خبرها‏:‏ إما على رأي الرواة للشهرة وإما على رأي النحاة بالابتداء ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي شرع النكاح لهذه الأمة ومنع السفاح فلم يكن أمرنا علينا غمة ونهج الصواب فما ظنك بالصباح إذا ابتلج عقيب الليلة المدلهمة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين تلقوا أوامره بالطاعة واجتنبوا نواهيه حتى بلغوا جهد الاستطاعة وفهموا مراده بمكاثرة الأمم فكان البضاع عندهم خير بضاعة صلاة رضوانها يضيء إضاءة الكواكب في أبراجها وغفرانها يكاثر البحار في أعداد موجها ما اتصل سبب بالنكاح وانفصل نسب بالسفاح وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين‏.‏

وبعد فإن النكاح من محاسن هذا الدين القيم وفضائل هذا الشرع الذي لا زال شرفه بدراً بين مشرقات النجوم وهو مخيم به يحفظ النسب الشرود ويرعى عهد القرينة الولود الودود‏.‏

وكان فلان ممن أشبه أباه وأبين ما أودعه من نفائس العلوم وحباه تصدر في المجالس ودرس في المدارس وأورد ما عنده من النفائس كيف لا وهو سبط شيخ الإسلام وإمام المسلمين وقاضي قضاة الشافعية وأوحد المجتهدين وقد أراد الآن إحصان فرجه وأن تنزل الزهرة مع بدره في برجه‏.‏

فلدلك رغب المجلس العالي ‏"‏ المسمى ‏"‏ وخطب الجهة المصونة المحجبة النقية والتقية العفيفة الخاتون غصن الإسلام شرف الخواتين جمال ذوات الستور رة عين الملوك والسلاطين السيدة ‏"‏ سولي ‏"‏ بنت فلان صان الله حجابها - فأكرم موارد قصده وحباه أنفس درة في عقده‏.‏

فلذلك قام خطيب هذا الحفل الكريم والنجم الذي لم يزل نجمه بالطالع المستقيم وقال‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

قلت‏:‏ وهذه نسخة صداق زين الدين صدقة السيفي أزدمر على بنت أمير المؤمنين ‏"‏ المتوكل الحمد لله مستخرج الدوحة الهاشمية من أطيب العناصر ومفرع النبعة العباسية من أكرم صنو انعقدت على فضله الخناصر ومخصص بيت الخلافة منها بأعز جانب ذلت لعزه عظماء الملوك ما بين متقدم ومعاصر‏.‏

نحمده على أن صان عقائل الخلفاء بمعاقل الحسب وحصر كفاءتها في العلم والدين حيث لم يكافآ بحرفة ولا نسب ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي سن النكاح وشرعه وأرغم بالحل أنف الغيرة لدى الإباء وقمعه شهادة يستنشق من ريا عبيرها كل شذى أريج وتجتنى ثمار ينعها بشريف النتاج من كل زوج بهيج ونشهد أن سيدنا محمداً عبد ورسوله أفضل نبي وفر في الفضل سهمه حتى لم يساهم وأكرم رسول رخص في تزويج بناته من صحابه وإلا فأين كفء رسول الله من العالم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين شرفهم بقربه وقرن الصهر بالنسب فيهم فخص مصاهرته أخصهم به صلاة تصل سبب قائلها بسببه وتجعل الفخار بها كلمة باقية في عقبه وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى ما أطال فيه المطيل وشحذ في وصفه الذهن الكليل ورقمت محاسن ذكره على صفحة النهار بذائب ذهب الأصيل - ما تواصلت به الأنساب وتوصل بواسطته في دراري الذراري إلى شرف الأحساب وتوفرت عليه الدواعي فاشتدت به الأواصر وحسنت في طريق قصده المساعي فتأكدت به المودة في البواطن والظواهر وهو النكاح الذي ندب الله تعالى إلى معاطاته وحض على التحلي بحليه حتى ألحقه بالعبادة في بعض حالاته طلباً للتحصين الكافل بسلوك نهج الاستقامة ورغبة في تكثير النسل الواقع ‏"‏ به ‏"‏ مكاثرة الأمم يوم القيامة‏.‏

هذا وكرائم بيت الخلافة وربائب محتد المجد والإنافة في حيز لو طلب مناوٍ مكافأتها لطلب معوزاً أو رام مقاوم مضاهاتها في علو الرتبة لرام معجزاً لما اختصت به من السيادة التي لا يرقى إلى منزلتها والمعالي التي لا تسمو النفوس وإن شمخت إلى رتبتها إذ كان النظير لشرف أرومتها ممتنعاً والنقيض بما ثبت من طيب جرثومتها مرتفعاً فبرق معاليها في التطاول لا يشام وجوهر فخارها في المآثر لا يسامى ولا يسام فعز بذلك في الوجود مكافيها وامتنع - خوف الهجوم بالاختطاب - موافيها إلا أن المواقف الشريفة المقدسة المتوكلة - زاد الله تعالى في شرفها وأدام رعايتها بحلة الملوك وحمايتها وكنفها - مع ما انفردت به من العزالشامخ الذي لا يساوى والشرف الباذخ الذي لا يناوى قد رغب تفضلها في أهل الفضل فمال إليهم واختص باقباله أهل الدين فأقبل بكليته عليهم محلاً لهم من شريف مقامه العلي محل الاصطفاء ومقدماً لهم في المصاهرة على أبناء الملوك والخلفاء فوافق في الفضل ‏"‏ شن طبقة ‏"‏ وحاول سارة النعم منها خير خاطب فتلقى بقبول‏:‏ إن الله تصدق عليكم بصدقة فعند ذلك ابتدر القلم منبر هذا ما أصدق العبد الفقير إلى الله تعالى الجناب العالي الأميري الكبيري الشيخي الإمامي العالمي العاملي العابدي الخاشعي الناسكي البليغي المفوهي الصدري الرئيسي الأصيلي العريقي الزيني أبو المعالي صدقه - الجهة الشريفة العالية الكبرى المعظمة المحجبة المصونة سليلة الخلافة فرع الشجرة الزكية جليلة المصونات جميلة المحجبات سارة البكر البالغ ابنة سيدنا ومولانا المقام الأشرف المقدس العالي المولوي السيدي الإمامي النبوي المتوكل على الله ‏"‏ أبي عبد الله محمد ‏"‏ أمير المؤمنين ابن المقام الأشرف العالي المولوي الإمامي المعتضد بالله ‏"‏ أبي الفتح أبي بكر ‏"‏ ابن الإمام المستكفي بالله ‏"‏ أبي الربيع سليمان ‏"‏ ابن الإمام الحاكم بأمر الله ‏"‏ أبي العباس أحمد ‏"‏ لا زال شرفه باذخا وعرنينه الشريف شامخا وذكر مناقبه العلية لكل منقبة ناسخا - صداقاً جملته كذا وكذا زوجها منه بذلك فلان وقبله فلان وتم على بركة الله تعالى وحسن توفيقه كاملة شروطه ولوازمه مباركة عوذه وتمائمه ميمونة فواتحه وخواتمه مفتتحة بطيب العيش أزاهره مفترة عن ‏"‏ نوره ‏"‏ إن شاء الله تعالى كمائمه‏.‏

  الفصل الخام من الباب الأول من المقالة العاشرة فيما يكتب عن العلماء والادباء والقضاة

وفيه طرفان

  الطرف الأول فيما يكتب عن العلماء وأهل الأدب

ثم هو على صنفين الصنف الأول الإجازات بالفتيا والتدريس والرواية وعراضات الكتب ونحوها أما الإجازة بالفتيا فقد جرت العادة أنه إذا تأهل بعض أهل العلم للفتيا والتدريس - أن يأذن له شيخه في أن يفتي ويدرس ويكتب له بذلك‏.‏

وجرت العادة أن يكون ما يكتب في الغالب في قطع عريض إما في فرخة الشام أو نحوها من البلدي وتكون الكتابة بقلم الرقاع أسطراً متوالية بين كل سطرين نحو إصبع عريض‏.‏

وهذه نسخة إجازة بالفتيا والتدريس على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه كتبت لي حين أجازني شيخنا العلامة سراج الدين أبو حفص عمر بن أبي الحسن الشهير بابن الملقن سقى الله تعالى عهده عند قدومه ثغر الإسكندرية وأنا مقيم به في شهور سنة ثمان وسبعين وسبعمائة وكتب لي بذلك القاضي تاج الدين بن غنوم موقع الحكم العزيز بالإسكندرية في درج ورق شامي في قطع الشامي الكامل وسني يومئذ إحدى وعشرون سنة فضلاً من الله ونعمة‏.‏

ونسختها بعد البسملة الشريفة‏:‏ الحمد لله الذي رفع للعلماء مقداراً وأجزل نعمه عليهم إذ أعلى لهم مناراً ووفق بسواء الطريق من اقتدى بهم إيراداً وإصداراً أشرعت هممهم العلية في حلبة السباق فهي لا تجارى وتحلوا بالمفاخر جهراً وقد عجز غيرهم أن يتحلى بها إسرار أبرز بهم في هالات المفاخر أقماراً وأزال بضياء علومهم ريب الشك حتى عاد ليل الجهالة نهاراً جعلهم لدينه أنصاراً وصيرهم نخبة أصفيائه إذ أودعهم من المعارف أسراراً واختصهم بكونهم ورثة أنبيائه‏:‏ وناهيك بها فخاراً‏.‏

أحمده حمد من هدي إلى الحق فجعله شعاراً واستضاء بنور الهدى فلجأ إلى مولاه في حالتي سره وجهره افتقاراً وعجز عن شكر ما أسدى إليه من النعم لما توالى عليه وبلها مدراراً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تصديقاً وإقراراً وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله والأصنام قد عبدت جهاراً والكفار قد أعرضوا عن الحق استكباراً فقام بأمر الله انتصاراً وقهر من أعرض عن الله اغتراراً وأخمد بضياء نوره الباطل وأهدره إهداراً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تزيدنا في ديننا استبصاراً وتحط عنا من ثقل الذنوب أوزاراً وتبوؤنا إن شاء الله تعالى في دار الخلود قراراً‏.‏

أما بعد فقد وضح لذوي الأبصار والبصائر واتضح عند ذوي الأسرار والسرائر واستقر عند ذوي القلوب السليمة والعقول الراجحة المستقيمة أن منزلة علم الشريعة عند الله تعالى أعلى المنازل وفضله أفضل المآثر وآثر الفضائل وخصوصاً معرفة تفاصيل أحكام أفعال المكلفين بالشريعة المحمدية التي من علمها وعمل بها وعلمها فقد سعد السعادة الأبدية إذ هي الشريعة الجامعة لمصالح الدنيا والآخرة الناسخة لما خالفها من الشرائع الغابرة الباقية إلى أن يأتي وعيد الله وكل شريعة سواها دائرة فقد أعظم الله تعالى على من حفظها على عباده المنة إذ جعله وقاية لهم من مهالك الجهل وجنه ووعده أن ينزل في أعلى منازل الجنة لما شهدت به نصوص الكتاب والسنة قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ وقل رب زدني علماً ‏"‏ فنبهه على أن العلم أقوى أسباب العبادة إذ خصه به وحضه على أن يطلب منه الزيادة وقال تعالى‏:‏ ‏"‏ وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ‏"‏ فثنى بذكرهم بعده لكونهم أفضل الخلائق عنده وقال تبارك وتعالى اسمه وتقدس علمه‏:‏ ‏"‏ إنما يخشى الله من عباده العلماء ‏"‏ فأوضح بذلك أن أولياءه من خلقه العلماء إذ وصفهم وخصهم بأنهم الخائفون منه الأتقياء‏.‏

وقال عليه السلام‏:‏ ‏"‏ من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ‏"‏ وقال أيضاً‏:‏ ‏"‏ من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ‏"‏ وقال أيضاً‏:‏ ‏"‏ ألا أن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله تعالى وما والاه وعالم ومتعلم ‏"‏‏.‏

ولما كان فلان - أدام الله تعالى تسديده وتوفيقه ويسر إلى الخيرات طريقه - ممن شب ونشأ في طلب العلم والفضيلة وتخلق بالأخلاق المرضية الجميلة الجليلة وصحب السادة من المشايخ والفقهاء والقادة من الأكابر والفضلاء واشتغل عليهم بالعلم الشريف اشتغالاً يرضي وإلى نيل السعادة - إن شاء الله تعالى - يفضي - استخار الله تعالى سيدنا وشيخنا وبركتنا العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام العلامة الحبر الفهامة فريد دهره ونسيج وحده جمال العلماء أوحد الفضلاء عمدة الفقهاء والصلحاء سراج الدين مفتي الإسلام والمسلمين أبو حفص عمر ابن سيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام العالم العامل الأوحد الكامل القدوة المرحوم نور الدين أبي الحسن على ابن سيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الصالح الزاهد العابد الخاشع الناسك القدوة المرحوم شهاب الدين بركة الصالحين أبي العباس أحمد ابن سيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الصالح القدوة العارف المرحوم شمس الدين أبي عبد الله محمد الأنصاري الشافعي أدام الله تعالى النفع به وببركته وأشركنا والمسلمين في صاح أدعيته بمحمد وآله وصحبه وعترته‏.‏

وأذن وأجاز لفلان المسمى فيه أدام الله تعالى معاليه أن يدرس مذهب الإمام المجتهد المطلق العالم الرباني أبي عبد الله محمد بن إدريس المطلبي الشافعي رضي الله عنه وأرضاه وجعلالجنة متقلبه ومثواه وأن يقرأ ما شاء من الكتب المصنفة فيه وأن يفيد ذلك لطالبيه حيث حل وأقام كيف ما شاء متى شاء وأين شاء وأن يفتي من قصد استفتاءه خطاً ولفظاً على مقتضى مذهبه الشريف المشار إليه‏:‏ لعلمه بدياناته وأمانته ومعرفته ودرايته وأهليته لذلك وكفايته‏.‏

فليتلق أيده الله تعالى هذه الحلة الشريفة وليترق بفضل الله تعالى ذروة هذه المرتبة المنيفة وليعلم قدر ما أنعم الله تعالى عليه وأسدى من الإحسان الوافر إليه وليراقبه مراقبة من يعلم اطلاعه على خائنة الأعين وما تخفي الصدور وليعامله معاملة من يتحقق أنه يعلم ما يخفيه العبد وما يبديه في الورود والصدور ولا يستنكف أن يقول فيما لا يعلم‏:‏ لا أعلم‏:‏ فذاك قول سعد قائله‏.‏

وقد جاء‏:‏ ‏"‏ جنة العالم ‏"‏ لا أدري ‏"‏ فإن أخطأها أصيبت مقاتله ‏"‏ فالله تعالى يرزقنا وإياه التوفيق والتحقيق ويسلك بنا وبه أقرب طريق ويهدينا إلى سواء السبيل فهو حسبنا ونعم الوكيل‏.‏

وكتب في تاريخ كذا‏.‏

وكتب شيخنا الشيخ سراج الدين المشار إليه تحت ذلك بعد حمد الله تعالى ما صورته‏:‏ ‏"‏ ما نسب إلي في هذه الإجازة المباركة من الإذن لفلان - أدام الله تعالى النفع به وأجرى كل خير بسببه بتدريس مذهب الإمام المطلبي محمد بن إدريس الشافعي قدس الله روحه ونور ضريحه والإفتاء به لفظاً وخطا - صحيح‏.‏

فإنه ممن فاق أقران عصره بذكائه وبرع عليهم بالاستحضار وتحرير المنقول ووفائه‏.‏

وقد اعتنى وفقه الله تعالى وإياي من جملة محفوظاته ب ‏"‏ مختصر الجوامع ‏"‏ لشيخنا العلامة كمال الدين النشائي تغمده الله تعالى بغفرانه فاستحضر بحضرتي مواضع منه جمة وأزال ببديع فصاحته جملة مدلهمة وأظهر من مشكلاته ما يعجز عنه اللبيب ومن أغاريبه ما يقف عنده البارع الأريب‏.‏

فليتق الله حينئذ فيما يبديه وليتحر الصواب في لفظه وخطه وليراقب الله فيه فإنه موقع عن الله تعالى فليحذر الزلل ومحاولة الخطأ والخطل ويستحضر ما اشتملت عليه من الجلالة فإن وأجزت له مع ذلك أن يروي عني ما لي من التآليف ومنها ‏"‏ جامع الجوامع ‏"‏ أعان الله على إكماله وكذا شرح ‏"‏ صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ‏"‏ ومنها ‏"‏ البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير ‏"‏ للإمام أبي القاسم الرافعي وبه تكمل معرفة الفقيه ويصير محدثاً فقيهاً‏.‏

وأجزت له مع ذلك ما جاز لي وعني روايته بشرطه عند أهله زاده الله وإيايا من فضله ومنها الكتب الستة‏:‏ ‏"‏ البخاري ‏"‏ و ‏"‏ مسلم ‏"‏ و ‏"‏ أبو داود ‏"‏ و ‏"‏ الترمذي ‏"‏ و ‏"‏ النسائي ‏"‏ و ‏"‏ ابن ماجة ‏"‏ والمسانيد‏:‏ ‏"‏ مسند أحمد ‏"‏ و ‏"‏ مسند الشافعي ‏"‏ وغير ذلك‏.‏

وكان ذلك في تاريخ كذا‏.‏

وكتب عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي غفر الله لهم‏:‏ حامداً ومصلياً ومسلماً وأشهد عليه جماعة من أهل العلم بآخره ‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وتكون ألقاب المجاز على قدر رتبته مثل أن يكتب له‏:‏ ‏"‏ الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام العالم العامل الأوحد الفاضل المفيد البارع علم المفيدين رحلة القاصدين فلان الدين أبو فلان فلان بن فلان ‏"‏ ‏"‏ بحسب رتب آبائه ‏"‏‏.‏

وإنما أهملت ذكر الألقاب في هذه الإجازة من حيث أنه لا يليق بأحد أن يذكر ألقاب نفسه في مصنف له لأنه يصير كأنه أثنى على نفسه‏.‏

وأما الإجازة بعراضة الكتب فقد جرت العادةأن بعض الطلبة إذا حفظ كتاباً في الفقه أو أصول الفقه أو النحو أو غير ذلك من الفنون يعرضه على مشايخ العصر فيقطع الشيخ المعروض عليه ذلك الكتاب ويفتح منه أبواباً ومواضع يستقرئه إياها من أي مكان اتفق فإن مضى فيها غير توقف ولا تلعثم استدل بحفظه تلك المواضع على حفظه لجميع الكتاب وكتب له بذلك كل من عرض عليه في ورق مربع صغير يأتي كل منهم بقدر ما عنده من الملكة في الإنشاء وما يناسب ذلك المقام من براعة الاستهلال ونحوها‏:‏ فمن عالٍ ومن هابط‏.‏

وربما خفف بعضهم فكتب‏:‏ ‏"‏ وكذلك عرض علي فلان ‏"‏ أو‏:‏ ‏"‏ عرض علي وكتبه فلان ‏"‏‏:‏ إما رياسة وتأبياً عن شغل فكره وكد نفسه فيما يكتبه وإما عجزاً عن مضاهاة من يكتب معه‏.‏

وقد اخترت أن أضع في هذا المحل ما وافق الصنعة وجرى على أسلوب البلاغة‏.‏

فمن ذلك ما كتب به الشيخ الإمام العلامة لسان العرب وحجة الأدب بدر الدين محمد بن أبي بكر المخزومي المالكي للنجل النبيل الذي تنتهي الألقاب ولا نهاية لمناقبه شهاب الدين أبي العباس أحمد ابن سيدنا الفقير إلى الله تعالى ذي الأوصاف التي تكل شبا الألسن عن حدها شمس الدين أبي عبد الله محمد العمري الشافعي حين عرض عليه ‏"‏ عمدة الأحكام ‏"‏ للحافظ عبد الغني و ‏"‏ شذور الذهب ‏"‏ للشيخ جمال الدين بن هشام في رمضان سنة سبع عشر أما بعد حمد الله على كرمه الذي هو عمدتنا في النجاة يوم العرض وناهيك بها عمدة وسندنا الذي لا يزال لسان الذوق يروي حديث حلاوته عن ‏"‏ صفوان بن عسال ‏"‏ من طريق ‏"‏ شهدة ‏"‏ والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أحيا بروح سنته الشريفة كل من جاء ومن ذهب وأعربت كلماته النفيسة عن عقود الجوهر و ‏"‏ شذور الذهب ‏"‏ وعلى آله وصحبه الذين أحسنوا الرواية والدراية وبنوا الأمر على أساس التقوى وأعربوا عن طرق الهداية ما انهل من أفق الكرم المحمدي كل عارض صيب وتحلت الأسماع والأفواه من أخباره بنفائس الشذور البديعة وحلاوة الكلم الطيب - فقد عرض علي الجناب العالي البارعي الأوحدي الألمعي اللوذعي الشهابي شهاب الدين نخبة النجباء أوحد الألباء نجل السادة العظماء سلالة الأعيان العلماء أبو العباس أحمد ابن سيدنا المقر الكريم العالي المولوي العالمي الفاضلي البليغي المفيدي الفريدي المفوهي الشمسي العمري أطاب الله حديثه وجمع له بالإعراب عن علو الهمة قديم الفضل وحديثه - طائفة متفرقة من ‏"‏ عمدة الأحكام ‏"‏ للحافظ عبد الغني المقدسي و ‏"‏ شذور الذهب ‏"‏ للعلامة جمال الدين بن هشام رحمة الله عليهما - عرضاً قصرت دونه القرائح على طول جهدها وكانت الألفاظ الموردة فيه لأمة حرب الفئة الباغية عليه فأحسن عند العرض في سردها وزين - أبقاه الله - تلك الأماكن بطيب لحنه وإعراب لفظه وآذن امتحانه فيها بأن فحبذا هو من حافظ روى حديث فضله عالياً وتلا على الأسماع ما اقتضى تقديمه على الأقران فلله دره مقدماً وتاليا وسار في حكم العرض على أعدل طريق وناهيك بالسيرة العمرية وصان منطقه عن خلل المعاني وكيف لا وقد تمسك بطريقة والده وهي ‏"‏ المقدمة الشمسية ‏"‏ وسابق أقرانه فكانت له زبدة التفضيل في حلبة السباق وطابق بين رفع شأنه وخفض شانيه ولا ينكر لمن هو من هذا البيت حسن الطباق واشتغل فلم يقع التنازع في حسن دخوله من باب الاشتغال ونصب فكره لتحصيل العلم فتعين تمييزه على كل حال وتوقدت نار ذهنه فتلظى حاسده بالالتهاب ورويت أحاديثه بالغة في العلو إلى سماء الفضل ولا بدع إذا رويت أحاديث الشهاب وافتخر من والده بالفاضل الذي ارتفع في ديوان الإنشاء خبره وهز المعاطف بتوقيعه الذي لا يزال يحرر ويحبره ووشى المهارق فكأنما هي رياض قد غرد فيها بسجعه ونحاها بإنشائه الذي هو عمدة المتأدبين فلا عجب في رفعه ونظم ببيانه نفائس الدرر ففدتها بالعين ‏"‏ صحاح الجوهري ‏"‏ وفتح بجيش بلاغته معاقل المعاني الممتنعة وحسبك بالفتح العمري‏:‏ بيانه السحر قد أخفى معاقده لكن أرانا لسر الفضل إنشاء إذا أراد أدار الراح منطقه نظم ويطربنا بالنثر إن شاء‏!‏ والله تعالى يبهج نفسه بما يصبح به الحاسد وهو مكمد ويقر عينه بهذا الولد النجيب حتى لا ومن ذلك ما كتب به الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الدائم لولدي نجم الدين أبي الفتح محمد حين عرض عليه ‏"‏ المنهاج ‏"‏ في الفقه للنووي في سنة ثلاث عشر وثمانمائة وهو‏:‏ الحمد لله الذي أوضح بنجم الدين منهاج الفقه وأناره وأفصح لسانه بكتاب من عند الله وأثاره فسقط أنوار شهابه لمن استنبطه وأثاره - من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ويرفع مناره - والصلاة والسلام على سيدنا محمد المخصوص بعموم الرسالة والمنصوص فضله بجميع أنواع الدلالة وعلى أله وصحبه نجوم الهدى وشهب التأسي والاقتدا‏.‏

وبعد فقد عرض علي الفقيه الفاضل نجل الأفاضل وسليل الأماثل ذو الهمة العلية والفطنة الذكية والفطرة الزكية نجم الدين أبو عبد الله محمد بن فلان‏:‏ نفع الله به كما نفع بوالده وجمع له بين طارف العلم وتالده - مواضع متعددة من ‏"‏ المنهاج ‏"‏ في فقه الإمام الشافعي المطلبي - رضي الله عنه وعنا به - تأليف الحبر العلامة ولي الله أبي زكريا بن شرف بن مري النووي سقى الله تعالى ثراه وجعل لجنة مأواه دل حفظه لها على حفظ الكتاب كما فتح الله له مناهج الخير دقه وجله وكان العرض في يوم كذا‏.‏

وكتب علامة العصر الشيخ عز الدين بن جماعة ما صورته‏:‏ كذلك عرض علي المذكور باطنها عرضاً حسناً محرراً مهذباً مجاداً متقناً عرض من أتقن حفظه وزين بحسن الأداء لفظه وأجزل له من عين العناية حظه مر فيه مرور الهملاج الوساع في فسيح ذي السباع‏.‏

وقد دلني ذلك منه - نفعه الله تعالى ونفع به ووصل أسباب الخير بسببه على علو همته ووفور أريحيته وتوقد فكرته واتقان فطنته وأصله في ذلك كله عريق‏:‏ سجية تلك منهم غير محدثة إن الخلائق - فاعلم - شرها البدع‏!‏ وقد أذنت له أن يروي عني الكتاب المذكور وجميع ما يجوز لي وعني روايته من مصنفاتي وغيرها من منظوم ومنثور ومنقول ومعقول ومأثور بشرطه المعتبر عند أهل الأثر‏.‏

وكتب فلان في تاريخ كذا‏.‏

ومن ذلك ما كتبته لمن اسمه ‏"‏ محمد ‏"‏ ولقبه ‏"‏ شمس الدين ‏"‏ من أبناء بعض الإخوان‏:‏ وقد عرض علي ‏"‏ الأربعين حديثاً ‏"‏ للشيخ محيي الدين النووي رحمه الله و ‏"‏ الورقات ‏"‏ في الأصول لإمام الحرمين و ‏"‏ اللمحة البدرية ‏"‏ في النحو للشيخ أثير الدين أبي حيان دفعة واحدة وهو لدون عشر سنين وهو‏:‏ الحمد لله الذي أطلع من دراري الأفاضل في أفق النجابة شمساً وأظهر من أفاضل الذراري ما يغض به المخالف طرفاً وبرفع به المحالف رأساً وألحق بالأصل الكريم فرعه في النجابة فطاب جنى وأعرق أصلاً وزكا غرساً وأبرز من ذوي الفطر السليمة من فاق بذكائه الأقران فأدرك العربية في لمحة وسما بفهمه الثاقب على الأمثال فأمسى وفهم ‏"‏ الورقات ‏"‏ لديه كالصفحة وخرق بكرم بدايته العادة فجاز الأربعين لدون العشر وأتى على ذلك بما يشهد له بالصحة والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي عمت بركة اسمه الشريف سميه ففاز منها بأوفر نصيب وخص بإلهام التسمية به أولو الفضل والنهى فما سمي به إلا نجيب وعلى آله وصحبه الذين أينعت بهم روضة العلم وأزهرت وأورقت شجرة المعارف وأثمرت‏.‏

وبعد فقد عرض علي فلان مواضع من كتاب كذا وكتاب كذا فمر فيها مرور الصبا وجرى في ميدانها جري الجواد فما حاد عن سنن الطريق ولا كبا‏.‏

وأما الإجازة بالمرويات على الاستدعاءات‏:‏ - فمن ذلك ما كتب به الشيخ صلاح الدين الصفدي رحمه الله على استدعاء كتب له به القاضي شهاب الدين أحمد الحنبلي خطيب بيت الآلهه وكاتب الدست بالشأم يطلب منه فيه الإجازة لنفسه وهو‏:‏ الحمد لله الذي إذا دعي أجاب وإذا أنعم على الأديب بذوق أتى في نظمه في العجاب وإذا وهب البليغ فطرة سليمة لم يكن على حجاه حجاب‏.‏

نحمده على نعمه التي منها البلاغة وأتقان ما لصناعة الإنشاء من حسن الصياغة وصيد أوابل المعاني التي من أعمل فكره في اقتناصها أو روى ‏"‏ أمن ‏"‏ رواغه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة فطر الضمير على إخلاصها وجبل الفكر على اقتناء أدلتها القانعة واقتناصها وجعلت وقاية لقائلها يوم يضيق على الخلائق فسيح عراصها ونشهد أن سيدنا محمداً عبد ورسوله أفصح من نطق بهذا اللسان وجاء من هذه اللغة العربية بالنكت الحسان وحث على الخير وحض على الإحسان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين رووا أقواله وبلغوا لمن لم يره سننه وأفعاله وعلموا أن هذه الشرعة المطهرة أذخرها الله تعالى له فلم تكن تصلح إلا له صلاة هامية الغفران نامية الرضوان ما أجاب مجيب لمن استدعى وعملت إن المبتدإ نصباً ولم تغير على الخبر رفعاً وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين‏.‏

وبعد فإن ‏"‏ علم ‏"‏ الرواية من محاسن الإسلام وخصائص الفضلاء الذين تخفق لهم ذوائب الطروس وتنتصب رماح الأقلام ولم تزل رغبة السلف تتوفر عليه وتشير أنامل إرشادهم للأنام بالحث إليه‏.‏

قيل للإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - ما يشتهي فقال‏:‏ سند عال وبيت خال‏.‏

وما برح الأئمة الكبار يرتحلون إلى أقاصي الأقاليم في طلبه ويتحملون المشاق والمتاعب فيه ويتجملون بسببه فقد ارتحل الإمام الشافعي رضي الله عنه وغيره إلى عبد الرزاق باليمن وكان فيمن أخذ عنه ممن هو أحق بالتفضيل عليه قمن ولكنه فن يحتاج إلى ذوق يعاضد من لا يعانده وأمر لا يصبر عنه من ألفه وما يعلم الشوق إلا من يكابده فما عند من طلب الرواية أجل من أبناء جنسه ولا عند المفيد المفيد أحلى من قوله‏:‏ حدثنا فلا أو أنشدنا فلان لنفسه ولكن‏:‏ ما كل من طلب المعالي نافذاً فيها ولا كل الرجال فحولا‏!‏ ولما كان الشيخ الإمام شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن الشيخ‏.‏

ممن نظم فودت الدرر في أفلاكه لو اتسقت وكتب فرقم الطروس ووشاها وغشاها من زهرات الرياض ما غشاها وحل المترجم فسحر عقل كل لبيب وخلب لبه ووقع على القصد فيه فكأنه شيء من الغيب خص الله به قلبه وأتى فيه ببدائع ما تساوى ابن الصيرفيولا ابن ‏"‏ نباته ‏"‏ عندها بحبة وخطب فصدع القلوب وأجرى ذنوب المدامع من أهل الذنوب وحذر فكانت أسجاعه كألحان إسحاق وسامعه يبكي بأجفان يعقوب كأنما هو في حلة الخطابة بدر في غمامة أو منبره غصن وهو فوقه حمامة أو بحر وفضائله مثل أمواجه ودره يحكي كلامه لو رآه ‏"‏ ابن نباته ‏"‏ ما أورقت بالفصاحة أعواده أو ‏"‏ ابن المنير ‏"‏ ما رقمت بالبلاغة أبراده أو ‏"‏ ابن تيمية ‏"‏ ما حظيت بالجدود أجداده فأراد أن يشرف قدري ويعرف نكري فطلب الإجازة مني وأنا أحق بالأخذ عنه واستدعى ذلك مني‏:‏ ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه‏.‏

فنعم قد استخرت الله تعالى وأجزت له ما يجوز لي تسميعه وذكرت هنا شيئاً من مروياتي وأشياخي رحمهم الله وذكرت مصنفاتي‏:‏ إجازة قاصر عن كل شيء يسير من الرواية في مفازه‏:‏ لمن ملك الفضائل واقتناها وجاز مدى العلى سبقا وحازه‏!‏ ومن ذلك ما كتب به الشيخ العلامة شمس الدين محمد بن الصائغ على استدعاء لبعض من سأله الإجازة‏:‏ أقول بعد حمد الله الذي لا يخيب من استجدى كرمه ولا يخيب من استدعى نعمه والصلاة على سيدنا محمد وأله وصحبه وخدمه وما اسود مدمه‏:‏ أثرت الجوى بي إذ أردت جوابي وعظمت خطبي إذ قصدت خطابي‏:‏ ومن أنا في الدنيا أجيب ومن أنا‏!‏ أجيز مضى الأشياخ تحت تراب‏!‏ عجيب لطلاب لدينا تخلفوا وكم قد أتانا دهرنا بعجاب‏!‏ نحن إلى الموبلحة أمر ناي عربناه بالعذيب عذاب ‏"‏ ‏"‏ يا أخانا‏:‏ إن بضاعتنا في العلم مزجاة وصناعتنا في الوقت مرجاة ونسيم أخباره عليل وأدب إخباره قليل وتصانيفي وجوه أكثرها مسودة وآمالي في تبييضها لقصر الهمم ممتدة سئلت قديماً من بعض الفضلاء أن أعدها فكتبت فيها رسالة لا أعرف لصقل الأذهان حدها ومن الله بعد ذلك بتصانيف أخر ومقاطيع إن لم تكن كالزهر فهي كالزهر ثم عدد نيفاً وثلاثين مصنفاً منها ‏"‏ مجمع الفرائد ‏"‏ في ست عشرة مجلدة‏.‏

ثم أنشد في آخر ذلك‏:‏ ولقد شرفت قدري بنفيس من هدايا‏:‏ بنظام شنف الس - مع بدر كالثنايا فارومني وارو عني واغنى عن شد المطايا وانتق الفضل وحصل واحظ مني بمزايا وتحر الصدق واعلم أنه خير الوصايا‏!‏‏!‏‏!‏ أجزت لك أن تروي هذه وغيرها عني ولك الفضل في قبول ذلك مني‏.‏

الصنف الثاني التقريضات التي تكتب على المصنفات المصنفة والقصائد المنظومة قد جرت العادة أنه إذا صنف في فن من الفنون أو نظم شاعر قصيدة فأجاد فيها أو نحو ذلك أن يكتب له أهل تلك الصناعة على كتابه أو قصيدته بالتقريض والمدح ويأتي كل منهم بما في وسعه من البلاغة في ذلك‏.‏

فمن ذلك ما كتب به الشيخ صلاح الدين الصفدي على مصنف وضعه الشيخ تاج الدين علي بن الدرهم الموصلي الشافعي في الاستدلال على أن البسملة من أول الفاتحة وهي‏:‏ وقفت على هذا التصنيف الذي وضعه هذا العلامة ونشر به في المذهب الشافعي أعلامه وأصبح ونسبته إليه أشهر علم وأبهر علامة فأقسم ما سام الروض حدائقه ولا شام أبو شامة بوارقه كل الأئمة تعترف بما فيه من الأدلة وكل التصانيف تقول أمامه‏:‏ بسم الله كم فيه من دليل لا يعارض بما ينقضه وكم فيه من حجة يكل عنها الخصم لأن عقله على محك النقد يعرضه قد أيد ما ادعاه بالحديث والأثر ونقل مذهب كل إمام سبق وما عثر لقد سر الشافعي بنص قوله الذي هذبه وجعل أعلام مذهبه مذهبة وأتى فيه بنكت تطرب من أسرار الحرف وفوائد عرف بها ما بين ابن الدرهم وبين البون من البون في تفاوت الصرف‏:‏ أكرم به مصنفاً فاق تصانيف الورى‏!‏ ليل المداد فيه بالمعنى المنير أقمرا‏!‏ كم فيه برد حجة قد حاكه محررا فلم يكن من بعده مخالف قط يرى‏!‏‏!‏ ومن ذلك ما كتب به المقر الشهابي بن فضل الله على قصيدة ميمية للشيخ غرس الدين خليل الصفدي المعروف بالصلاح الصفدي مدح بها الأمير سيف الدين ألجاي الدوادار الناصري في شهور سنة تسع وعشرين وسبعمائة وهي‏:‏ وقفت على هذه القصيدة التي أشرقت معانيها فكادت ترى وتمكنت قوافيها فاستمسك بها الأدب لما كانت الميمات فيها كالعرا فوجدتها من البلاغة بوزنها على البحر المحيط لطيفة لا تقاس بأمثالها من الكلام المركب لأنها من البسيط ونظرت إليها مكتسباً من بيانها سحر الحدق متعجباً من منشئها لغرس يسرع الأثمار في الورق ثم فطنت إلى أن الممدوح بها أعزه الله تعالى سحت ديمه فروضت الطروس وبرحت مناقبه بما كان مصوناً في أخبية النفوس وقد استوجب هذا المادح عطف الله تعالى قلبه عليه من منائحه حظاً جزيلاً وحباً يقول به لمن قصد المساواة به‏:‏ لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت فلاناً خليلاً‏:‏ مدبر الملك له على العلى مقاعد تهوي إلى جنابه القصاد والقصائد‏!‏ قلت‏:‏ وكتبت على قصيدة نظمها شرف الدين عيسى بن حجاج الشاعر المعروف بالعالية مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم وضمنها أنواع البديع ضاهى بها بديعية الصفي الحلي في شهور سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة ما صورته‏:‏ أما بعد حمد الله الذي أحل سحر البيان وأقدر أهل البلاغة من بديع التخيل على ما يشهد بصحته العيان وذلل برائض أفكارهم صعاب الألفاظ فامتطوا من متون أحاسنها الجياد وأوضح لهم طرق الفصاحة فغدت لديهم - بحمد الله تعالى - سهلة القياد وأحيى ميت الأدب بروح الأنفاس العيسوية وعمر بأنسها ربوعه الخالية وحمى نفس الفضل في رقعة المساجلة أن تصل إليه فرزاته الدعاوى ولا غزو أن حماها العالية والصلاة على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أفصح من نطق بالضاد وأوتي جوامع الكلم فلن تحصر معاني كلامه الأعداد - فإني وقفت على البديعية البديعة التي نظمها الفاضل الأرفع واللوذعي المصقع أديب الزمان وشاعر الأوان شرف الدين أبو الروح عيسى العالية - أعلى الله تعالى منار أدبه ورفعه على مناويه وبلغ به من قصب السبق ما يمتنع أن يراه على البعد مضاهيه - فألفيتها الدرة الثمينة غير أنها لا تسام والخريدة المخدرة إلا أنها لا يليق بها الاحتشام‏:‏ تروم احتشاماً ستر لألاء وجهها‏!‏ ومن ذا لذات الحسن يخفي ويستر قد اتخذت من الاحتشام معقلاً وحصناً لا يغشى وانتدبت من حسادها مكاناً قصياً فلا ولم أدر - والألفاط منها شريفة - إلى البدر تسمو أم إلى الشمس ترتقي أراد المدعي بلوغ شأوها الجري في مضمارها فقيل‏:‏ كلا ورام الملحد في آياتها الغض منها عناداً فأبى الله إلا‏:‏ ما إن لها في الفضل مثل كائن‏!‏ وبيانها أحلى البيان وأمثل‏!‏ فأمسوا في معارضتها غير طامعين وتلت عليهم آيات بلاغتها‏:‏ ‏"‏ فظلت أعناقهم لها خاضعين ‏"‏‏:‏ كم جدلت يوم الوغى من جندل صاحت به فما أطاق تصبرا‏!‏ وكيف لا تخضع لها الأعناق وتذل لها رقاب الشعراء على الإطلاق وهي اليتيمة التي أعقمت الأفهام عن مثلها والفريدة التي اعترف كل طويل النجاد بالقصور عن وصلها‏:‏ زادت على من ذا يطيق وصالها ومحلها منه الثريا أقرب‏!‏ وأنى بذلك وقد أخذت من المحاسن بزمامها وأحاطت من الطلاوة بكمامها وأحدقت رياض الأدب بحدائقها واقتطفت من أفنان الفنون ثمار معان تلذ لناظرها وتحلو لذائقها‏:‏ ولا تعر غيرها سمعاً ولا نظراً في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل وتصرفت في جميع العلوم وإن كانت على البديع مقصورة وشرفت بشرف متعلقها فأصبحت بالشرف مشهورة‏:‏ لا جرم أضحت أم القصائد وكعبة القصاد ومحط الرحال ومنهل الوارد فأربت في الشهرة على ‏"‏ المثل السائر ‏"‏ واعترف بفضلها جزالة البادي وسهولة الحاضر‏:‏ فللأ فاضل في عليائها سمر إن الحديث عن العلياء أسمارا‏!‏ فأعجب بها من بادرة جمعت بين متضادين سمر وسمر وقرنت بين متباعدين زهر وزهر وجادت بمستنزهين روض ونهر وتفننت في أساليب الكلام وجالت وطاوعتها يد المقال فقالت وطالت ودعت فرسان العربية إلى المبارزة فنكسوا وتحقق المفلقون العجز عن مؤاخاتها ولو حرصوا‏:‏ فاعرب عن كل المعاني فصيحها بما عجزت عنه نزار ويعرب‏!‏ إن ذكرت ألفاظها فما الدر المنثور أو جليت معانيها أخجلت الروض الممطور أو اعتبر وزنها فاق الذهب تحريراً أو قوبلت قوافيها بغيرها زكت توفيراً وسمت توقيراً أو تغزلت أسكتت الورق في الأغصان أو امتدحت قفت إثر ‏"‏ كعب ‏"‏ وسلكت سبيل ‏"‏ حسان ‏"‏ فإطنابها - لفصاحتها - لا يعد إطناباً وإيجازها - لبلاغتها - يمد على المعاني من حسن السبك أطناباً‏:‏ أبن لي مغزاها أخا الفهم إنها إلى الفضل تعزى أو إلى المجد تنسب هذا وبراعة مطلعها تحث على سماع باقيها شغفاً وبديع مخلصها يسترق الأسماع لطافة ويسترق القلوب كلفاً وحسن اختتامها تكاد النفوس لحلاوة مقطعه تذوب عليها أسفاً‏:‏ لها براهين البيان شواهد إذ الفضل ورد والمعالي موارد‏!‏ وبالجملة فمآثرها الجميلة لا تحصى وجمائلها المأثورة لا تعد ولا تستقى فكأنما ‏"‏ قس بن ساعدة ‏"‏ يأتم بفصاحتها و ‏"‏ ابن المقفع ‏"‏ يهتدي بهديها ويروي عن بلاغتها ‏"‏ وامرؤ القيس ‏"‏ يقتبس من صنعة شعرها و ‏"‏ الأعشى ‏"‏ يستضيء بطلعة بدرها فلو رآه ‏"‏ جرير ‏"‏ لرأى أن نظمه جريرة اقترفها أو سمعها ‏"‏ الفرزدق ‏"‏ لعرف فضلها وتحقق شرفها أو بصر بها ‏"‏ حبيب بن أوس ‏"‏ لأحب أن يكون من رواتها أو اطلع عليها ‏"‏ المتنبي ‏"‏ لتحير بين جميل ذاتها وحسن أدواتها‏:‏ فللبصائر هاد من فضائلها يهدي أولي الفضل إن ضلوا وإن حاروا ولا نطيل فمبلغ القول فيها أن آيتها المحكمة ناشخة لما قبلها وبرهانها القاطع قاض بأن لا تسمح قريحة أن تنسج على منوالها ولا يطمع شاعر أن يسلك سبلها‏:‏ وآيتها الكبرى التي دل فضلها على أن من لم يشهد الفضل جاحد‏!‏ الطرف الثاني فيما يكتب عن القضاة الصنف الأول التقاليد الحكمية وهي على مرتبتين المرتبة الأولى أن تفتتح بخطبة مفتتحة بالحمد لله ثم يقال‏:‏ ‏"‏ أما بعد ‏"‏ ثم يقال‏:‏ ‏"‏ ولما علمنا من حال فلان الفلاني كذا وكذا استخرنا الله تعالى وفوضنا إليه كذا وكذا فليباشر ذلك ‏"‏ ويوص بما يناسب‏.‏

ثم يقال‏:‏ ‏"‏ هذا عهدنا إليك وحجتنا عند الله عليك فاعلم هذا واعمل به وكتب ذلك عن الإذن الفلاني ‏"‏‏.‏

وهذه نسخة تقليد‏:‏ الحمد لله الولي الحميد الفعال لما يريد نحمد على ما أولانا من إحسانه فهو المولى ونحن العبيد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة توصلنا إلى حنة نعيمها مقيم وتقينا من نار عذابها شديد أليم وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه المشتملين على الطاعة والقلب السليم وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

أما بعد فإن مرتبة الحكم لا تعطى إلا لأهلها والأقضية لا ينتصب لها إلا من هو كفء لها ومن هو متصف بصفات الأمانة والصيانة والعفة والديانة فمن هذه صفته استحق أن يوجه ويستخدم ويترقى ويتقدم‏.‏

ولما علمنا من حال فلان الفلاني الأوصاف الحميدة والأفعال السديدة فإنه قد حوى المعرفة والعلوم والاصطلاح والرسوم وجمعت فيه خصال حملتنا على استنابته وقوتنا على نيابته - استخرنا الله تعالى وفوضنا إليه كذا وكذا‏.‏

فليباشر ذلك متمسكاً بحبل الله المتين ‏"‏ إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ‏"‏ وليجهد في إقامة الدين وفصل الخصومات وفي النظر في ذوي العدالات والتلبس بالشهادات ولإقامة البينات فمن كان من أهل العدالة نزهاً وإلى الحق متوجهاً فليراعه ويقدمه على أقرانه ومن كان منهم خلاف ذلك فليقصه ويطالعنا بحاله‏.‏

ولينظر في أمر الجوامع والمساجد ويفعل في ذلك الأفعال المرضية وفي أموال الأيتام يصرف منها اللوازم الشرعية فمن بلغ منهم رشيداً أسلم إليه ما عساه يفضل له منها ويقرر الفروض ويزوج الخاليات من الأزواج والعدد والأولياء من الأزواج الأكفاء ويندب لذلك من يعلم ديانته ويتحقق أمانته ويتخير لكتابة الصكوك من لا يرتاب بصحته ولا يشك في ذيانته وخبرته وينظر في أمر المتصرفين ومن عنده من المستخدمين فمن كان منهم على الطريقة الحميدة فليجره على عادته وليبقه على خدمته ومن كان منهم بخلاف ذلك فليستبدل به وليقصه‏.‏

هذا عهدي إليك وحجتي غداً عند الله عليك فاعلم هذا واعمل به‏.‏

وكتب ذلك عن الإذان الكريم الفلاني وهو في محل ولايته وحكمه وقضائه وهو نافذ القضاء والحكم ماضيها في التاريخ الفلاني‏.‏

‏"‏ ثم يكتب الحاكم علامته والتاريخ ‏"‏ وحسبنا الله ونعم الوكيل‏.‏

وهذه نسخة تقليد‏:‏ الحمد لله الحكم العدل الهادي عباده صراطاً مستقيما الحاكم الذي لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً المثيب من قدم لم الطاعة من قبل إن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال الرقيب على ما يصدر من أفعالهم فلا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه والٍ‏.‏

أحمده علة نعمه التي تنشئ السحاب الثقال وأستعيذه من نقمه التي يرسلها فيصيب بها من يشاء من عباده وهو شديد المحال واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تفيد المخلص بها في الإقرار النجاة يوم المآل وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي نعته بأكرم الشيم وأشرف الخصال وعرفه بما يجب من عبوديته فقال‏:‏ ‏"‏ ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال ‏"‏ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين اتبعوه في الأقوال والأفعال وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

أما بعد فإن من حسنت سريرته وحمدت سيرته وعرف بورع وشهر بعفاف وديانة وخير وإنصاف وأضحى نزه النفس عن الأمور الدنية فقيهاً درباً بالأحكام الشرعية عارفاً بالأوضاع المرضية - استحق أن يوجه ويستخدم ويرقى ويتقدم‏.‏

ولما علمنا من حال فلان الفلاني من الأوصاف الحميدة والأفعال السديدة - استخرنا الله تعالى وفوضنا إليه كذا وكذا‏.‏

فليكن متمسكاً معتصماً بحبل الله القوي المتين ‏"‏ إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ‏"‏ وليباشر ما قلدناه - أعانه الله سبحانه وتعالى - ويراع حقوق الله تعالى في السر والعلانية‏:‏ فإنه معين من استعان به وتوكل عليه وهادي من استرشده وفوض إموره إليه‏.‏

وليجتهد في فصل الأحكام بين المتنازعين والمساواة في العدل بين المتحاكمين قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ‏"‏‏.‏

وأن يثبت في الخصومات ويفرق بين الحقائق والشبهات وينصف كل ظالم من ظالمه بالشريعة المحمدية ليكون ذلك سبباً للسعادة الأبدية وينظر في أمر الشهود‏:‏ فمن كان منهم نزهاً وإلى الحق متوجهاً فليراعه ومن كان منهم غير ذلك طالعنا بحاله وينظر في أمر الجوامع والمساجد معتمداً في ذلك قول الله العزيز القاهر‏:‏ ‏"‏ إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ‏"‏‏.‏

وينظر في أمر الأيتام ويحتاط على ما لهم من الأموال ويفعل في ذلك على جاري عادة أمثاله من الحكام‏:‏ من نفقة وكسوة ولوازم شرعية فمن بلغ منهم رشيداً أسلم إليه ما فضل من ماله بالبينة المرضية ويقرر الفروض على مقتضى قول الله تعالى‏:‏ ‏"‏ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ‏"‏ ويزوج النسوة الخالية من العدد والأولياء ممن رغب فيهن من الأكفاء ويندب لذلك من يعلم أمانته وخبرته وينظر في أمر المتصرفين‏:‏ فمن كان منهم على الطريقة المأثورة أجراه على عادته وأبقاه على حكمه وخدمته ومن كان منهم خلاف ذلك يبعده ويقصيه ويستبدل به ليبقى مكانه وفي تصرفه‏.‏

هذا عهدي إليك وحجتي يوم القيامة عند الله عليك فلتعلم ذلك وتعمل به إن شاء الله تعالى‏.‏

‏"‏ ويؤرخ ويكون ذلك بخط الحاكم ‏"‏ ويكتب‏:‏ ‏"‏ وحسبنا الله ونعم الوكيل ‏"‏ ويتوجه بعلامته الكريمة‏.‏

وهذه نسخة تقليد‏:‏ الحمد لله ذي الفضل والسخاء واللطف في الشدة والرخاء الذي من تواضع إليه ورفعه ومن أعطاه نفعه ومن أخلص له في العبادة أمال عنه كيد الشيطان ودفعه الذي أحاط علمه بالموارد والمصادر واستوت عنده أحوال الأوائل والأواخر واطلع على ضمائر النفوس ولا ينبغي لغيره أن يطلع على الضمائر الخافض الرافع والمعطي المانع فإليه الأمر والتدبير المقسط الجامع‏:‏ ‏"‏ وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير ‏"‏‏.‏

أحمده حمداً يقضي للسعادة بالتيسير وأشكره شكراً يسهل من المآرب العسير وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له سبحانه نعم المولى ونعم النصير وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله بالهدى والكتاب المنير وجعله للأمة خير بشير ونذير صلى الله عليه وعلى آله وصحابته شهادة يحل المخلصون بها جنة ‏"‏ يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير ‏"‏‏.‏

أما بعد فإن من كان عارفاً بأحكام الشريعة متهيئاً لنيل درجاتها الرفيعة مستنداً إلى بيت مشكور وقدر موفور قلد الأحكام الدينية ليعمل فيه بالشريعة المحمدية‏.‏

ولما علمنا فلان بن فلان بن فلان بن فلان الفلاني قلدناه كذا وكذا‏.‏

فباشر أعانك الله‏:‏ محافظاً على تقوى الله الذي إليه المرجع والمصير قال الله تعالى في كتابه العزيز‏:‏ ‏"‏ والله بما تعملون بصير ‏"‏‏.‏

واستشعر خيفة الله واجعلها نصب عينك وتمسك با لحق واجعله حجابا بين النار وبينك وانتصب لتنفيذ الأحكام انتصاب من يراقب الله ويخشاه وحاسب نفسك محاسبة من يتحقق أنه يطلع عليه ويراه وآبذل في إنصاف المظلوم من الظالم وسعك ورحب للمتحاكمين ذرعك وآنظر في أمر الشهود وحذرهم أن يزغوا عن الحق وحاسبهم فيما جل ودق ولاترخص لهم وألزمهم أن يتخذوا الصدق منطقهم وآنههم عن التسمح فيها وعرفهم التحرز عما يؤدي من التهمة والتطرق إليها وانظر في أمر المتصرفين بباب الحكم العزيز نظراً يؤدي إ لى صلاحهم ولا تعول في النيابة عنك إلا على من تختاره وترتضيه ولا تعرج إلى من هو مستند إلى غاية ولا تمل إليه وانظر في أمر الأ حباس نظراً يحفظ أصولها ولا تراع في استخلاص ما يتعين لها كبيراً ولا صغيراً ولا تعامل فيها إلا ذوي الوفاء واليسار وارفض معاملة من يستند إلى العدم والإعسار وافعل ما يفعله مثلك من الحكام من إ نشاء العدالة والفسخ والإنكاح وغير ذلك فقد قلدناك هذه الأحكام فإن علمت فيها بتقوى الله تعالى وطاعته يعينك على ذلك وإن عملت غير ذلك فأنت والله هالك ثم هالك واستمع نصيحتي وافعل ما تبرد به جلدتك وجلدتي إن شاء الله تعالى‏.‏

كتابة التقليد بصيغة كتاب قلت‏:‏ وربما كتب التقليد بصيغة كتاب مثل أن يكتب إلى الذي يتولى على قدر مرتبته من‏:‏ ‏"‏ صدرت هذه المكاتبة ‏"‏ أو‏:‏ ‏"‏ هذه المكاتبة ‏"‏ ثم يقال‏:‏ ‏"‏ تتضمن إعلامه أن المجلس الفلاني ‏"‏ بلقبه ويدعى له‏:‏ ‏"‏ لماعلمنا من حاله كذا وكذا - استخرنا الله تعالى وفوضنا إليه الحكم والقضاء بمكان كذا فليباشر ذلك ‏"‏ على نحو ما تقدم في التقليد الذي قبله‏.‏

الصنف الثاني إسجالات العدالة قد جرت العادة أن أبناء العلماء والرؤساء تثبت عدالتهم على الحكام ويسجل لهم بذلك ويحك الحاكم بعدالة من تثبت عدالته لديه ويشهد عليه بذلك ويكتب له بذلك في درجٍ عريضٍ أما في قطع فرخة الشامي الكاملة وأما في نحو ذلك من الورق البلدي وتكون كتابته بقلم وأسطره متوالية وبين كل سطرين تقدير عرض أصبع أو نحو ذلك‏.‏

قلت وهذه نسخة سجل أنشأته كتب بها لولدي نجم الدين أبي الفتح محمد وكتب له بها عند ثبوت عدالته على الشيخ العلامة ولي الدين أحمد ابن الشيخ الإمام الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي خليفة الحكم العزيز بمصر والقاهرة المحروستين في شهور سنة ثلاث عشرة وثمانمائة وهي‏:‏ الحمد لله الذي أطلع نجم العدالة من سماء الفضائل في أفق معاليها وأنار بدراري العلماء من حنادس الجهالة مدلهم لياليها وكمل عقود النجابة من نجباء الأبناء بأغلى جواهرها وأنفس لآليها وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ترقي قائلها إلى أرفع الذرا ويمتطي منتحلها صهوة الثريا‏:‏ وإن لنرجو فوق ذلك مظهرا وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المخصوص بمحاسن الشيم والموصوف بكرم المآثر ومآثر الكرم صلى الله عليه وعلى أله وصحبه اللذين تمسكوا من عرا الدين بالسبب الأقوى وسلكوا جادة الهداية فحصلوا من أقصى مغياها على الغاية القصوى وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فلما كانت العدالة هي أس الشريعة وعمادها وركنها الأعظم في الاستناد إلى الصواب وسنادها لا تقبل دونها شهادة ولا رواية ولا يصح مع عدمها إسناد أمر ولا ولاية - فقد بنيت الشريعة المطهرة على أركانها واعتمد الرواة في صحة الأخبار على أصولها وتعلقت الحكام في قبول الشهادة بأحضانها إذ هي الملكة الحاملة على ملازمة التقوى والحفيظة المانعة من الوقوع في هوة البدع المتمسك بسببها الأقوى والحكمة الثانية عن الجماح إلى ارتكاب الكبائر والعنان الصارف عن الجنوح إلى الإصرار على الصغائر والزمام القائد إلى صلاح أعمال الظواهر وسلامة عقائد الضمائر‏.‏

ولما مجلس القاضي الأجل الفقيه الفاضل المشتغل المحصل الأصيل نجم الدين سليل العلماء أبو الفتح محمد بن فلان القلقشندي الفزاري الشافعي خليفة الحكم العزيز بالقاهرة المحروسة والده والحاكم بالعمل الفلاني وما معهما‏:‏ أيد الله تعالى أحكامه وأقر عينه بولده هو الذي ولد على فراش الديانة وظهرت عليه في الطفولية آثارها ونشأ في أحياء الصيانة فرويت عنه بالسند الصحيح أخبارها وارتضع ثدي العلم حين بزوغ نجمه وغذيه مع لبان أمه فامتزج بدمه ولحمه وعظمه وأعلن منادي نشأته بجميل الذكر فأغنى فيه عن الاستخبار ولاحت عليه لوائح النجابة فقضى له بالكمال قبل أن يبلغ قمر عمره زمن الإبدار‏:‏ فلم يرد منهل التكليف إلا وقد تزين من محاسن الفضائل بأكمل زين ولم يبلغ مبلغ العلم حتى صار لوالده ولله الحمد - قرة عين - رفعت قصة مخبرة عن حاله فيها من مضمون السؤال طلب الإذن الكريم بسماع بينة المذكور وكتابة إسجال بعدالته فشملها الخط الكريم العالي المولوي القاضوي الإمامي العالمي العاملي العلامي الشيخي المحدثي الحافظي الحبري المجتهدي المحققي المدققي الوحيدي الفريدي الحجي الحججي الخطيبي البليغي الحاكمي الجلالي الكناني البلقيني الشافعي شيخ الإسلام الناظر في الأحكام الشرعية بالديار المصرية والممالك الشريفة الإسلامية‏:‏ أدام الله تعالى أيامه وأعز أحكامه وأحسن إليه وأسبغ نعمه في الدارين عليه - لسيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام العالم الحافظ ولي الدين شرف العلماء أوحد الفضلاء مفتي المسلمين أبي زرعه أحمد ابن سيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى زين الدين شيخ الإسلام قاضي المسلمين أبي الفضل عبد الرحيم ابن سيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى بدر الدين شرف العلماء أوحد الفضلاء مفتي المسلمين أبي عبد الله الحسين العراقي الشافعي خليفة الحكم العزيز بالقاهرة ومصر المحروستين والحاكم بالأعمال المنوفية ومفتي دار العدل الشريف بالديار المصرية‏:‏ أيد الله تعالى أحكامه وأحسن إليه بالنظر في ذلك على الوجه الشرعي‏.‏

فحينئذ سمع سيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام العالم الحافظ ولي الدين الحاكم المشارإليه‏:‏ أحسن الله تعالى إليه - البينة بتزكيته وصرحت له بالشهادة بعدالته وقبلها القبول الشرعي السائغ في مثله‏.‏

ثم أشهد على نفسه الكريمة من حضر مجلس حكمه وقضائه وهو نافذ القضاء والحكم ماضيهما وذلك في اليوم المبارك يوم الأربعاء الثامن والعشرين من شهر رجب الفرد سنة ثلاث عشرة وثمانمائة - أنه ثبت عنده وصح لديه‏:‏ أحسن الله إليه - على الوضع المعتبر الشرعي والقانون المحرر المرعي بالبينة العادلة المرضية التي تثبت بمثلها الحقوق الشرعية - عدالة القاضي الأجل العدل الرضي نجم الدين محمد المسمى أعلاه‏:‏ زاده الله تعالى توفيقا ً وسهل له إلى الخير طريقاً وما اشتمل عليه من صفاتها وتحلى به من أدواتها ثبوتاً صحيحاً معتبراً مستوفى الشرائط محرراً‏.‏

وأنه - أيد الله تعالى أحكامه وسدد نقضه وإبرامه - حكم بعدالته وقبول شهادته حكماً تاماً وجزمه وقضى فيه قضاءً أبرمه وأذن له - أيد الله تعالى أحكامه - في تحمل الشهادة وأدائها وبسط قلمه في سائر أنديتها وأرجائها وأجراه - أجرى الله تعالى الخيرات على يديه - مجرى أمثاله من العدول ونظمه في سلك الشهداء أهل القبول ونصبه بين الناس شاهداً عدلاً إذ كان صالحاً لذلك وأهلاً‏.‏

فليبسط بالشهادة قلمه وليؤلف على شروط أدائها كلمه وليحمد الله تعالى على ما منحه من ملابسها الجميلة وأناله من الترقي لرتبتها الجليلة وليتق الله تعالى في موارده ومصادره وليسلك مسالك التقوى في أول أمره وآخره وليعلم أن من سلك الحق نجا ومن يتق الله يجعل له مخرجا‏.‏

أوزعه الله تعالى شكر هذه الرتبة العلية والمنزلة السنية‏.‏

وتقدم أمر سيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام العالم الحافظ ولي الدين الحاكم المذكور وقاه الله تعالى كل محذور بكتابة هذا الإسجال فكتب على إذنه الكريم متضمناً لذلك مسؤولاً فيه مستوفياً شرائطه الشرعية وأشهد على نفسه الكريمة بذلك في التاريخ المقدم ذكره بأعاليه المكتوب بخطه الكريم - شرفه الله تعالى حسبنا الله ونعم الوكيل‏.‏

قلت‏:‏ والعادة أن يعلم فيه الحاكم علامة تلو البسملة ويكتب التاريخ في الوسط والحسبلة في الآخر كل ذلك بخطه ويشهد عليه فيه من يشهد عليه من كتاب الحكم وغيرهم كما في سائر الإسجالات الحكمية‏.‏

الصنف الثالث الكتب إلى النواب وما في معناها واعلم أن الكتب التي تكتب عن القضاة ألفاظها مرسلة لا جنوح فيها إلى فن البلاغة والسجع إلا في القليل النادر وهذه نسخة كتاب كتب به عن قاضي القضاة فخر الدين الشافعي إلى الحكام بالمملكة وهو‏:‏ أدام الله فضائل الجنابات العالية والمجالس العالية وجعلهم قادة يقتدى بهم في القول والعمل و ‏"‏ ‏"‏ الاحتفال من يعتنى بأمره ويحتفل ولا سيما من سارت طريقة فضله المثلى في الآفاق سير المثل ولا زال عرف معروفهم على ذوي الفضائل يفوح وجياد جودهم تغدو في ميدان الإحسان وتروح ونيل نيلهم يسري إلى القصاد فيحمد سراه عند الغبوق كما يحمد سراه عند الصبوح‏.‏

هذه المكاتبة إليهم تقريهم سلاماً ألطف من النسيم وتهدي إليهم ثناءً مزاج كاتبه من تسنيم وتبدي لعلومهم الكريمة أن الجناب الكريم العالي الشيخي الإمامي الفاضلي البارعي الأوحدي الأكملي البليغي المقدمي الخطيبي البهائي أوحد الفضلاء فخر العلماء زين الخطباء قبلة الأدباء قدوة البلغاء صفوة الملوك والسلاطين خطيب الموصل - أدام الله المسرة به ووصل الخير بسببه ونفع بفوائد فضله وأدبه - ورد علينا بطرابلس المحروسة فحصلت المسرة بذلك الورود وتجدد بخدمته ما تقدم من وثيق العهود وأبدى لنا من نظره الفائق الرقيق وإنشائه المغني عن نشوة الرحيق وكتابته التي هي السحر الحلال على التحقيق ما نزه الأبصار وشنف الأسماع وقطع من فرسان الأدب أسباب الأطماع فأزال عن القلب الكئيب فكراً وأخجل من الروض الأنيق زهراً وأخمل من المسك السحيق عطراً وكيف لا وهو النفيس الذي جمع فيه قديم الأدب وحديثه والجليس الذي لا يسأم كلامه ولا يمل حديثه يا له أديباً ليس فيما يبديه من الأدب تحريف ولا غلط وفاضلاً لو لم يكن بحراً لما كان الدر من فيه يلتقط يمينه وفطنته الكريمتان ذواتا أفنان‏:‏ فهذه إن رقمت طرساً فروح وريحان أو بذلت براً فعينان تجريان وهذه إن نظمت شعراً فياقوت ومرجان أو نثرت تبراً فثمين الدر ألوان ما برح الفضلاء إلى لقائه يسارعون وحق لهم أن يسارعوا ومن أبواب معروفه يقتبسون وكيف لا وهو الشهاب الساطع والجليل الذي لم نزل نشير إليه بالأصابع والنبيل الذي تجري لفراقه من عيون اللبيب المدامع والنزيل الذي ينشده العارف عن وداعه‏:‏ بعيشك خبرني متى أنت راجع يعرف المحسن إحسانه فينشر له من الثناء لواء ويجل في مدح صفاته ونعوته الإنشاء إن شاء ويجزل في ذم مستحق الذم منه الهجاء فأكرم به مداحاً وأعظم به هجاء‏:‏ العلماء لحضوره يترقبون وإليه يتقربون والفضلاء بفضله يعترفون ومن بحره يغترفون والأدباء إليه يستبقون ومنه يقتبسون والطلبة بأذيال فضله يتمسكون وبنشر أثنيته يتمسكون وإخوانه في الله بوجوده يفتخرون وإلى جوده يفتقرون كلما عرضت لهم حاجة تمسكوا بإيثاره وكلما عاندهم الدهر سألوه الإمداد بأنصاره فيجود في خدمتهم بيان بنانه ويجرد في نصرتهم سيف لسانه‏.‏

ثم من قبل أن نبلغ منه الوطر ومن دون أن يكتفي منه السمع والبصر عرفنا أنه قصد التوجه إلى البلاد الساحلية والأعمال الطرابلسية ليملي على أهلها من فضائله الباهرة الباسقة وألفاظه التي هي كالدرر المتناسقة ويجليهم عرائس الأفكار من أفكاره ويجنيهم غرائس الأثمار من أشجار علمه ويريهم البديهة البديعة والقوافي المجيبة المطيعة‏.‏

فليتقدم الجماعة - أيدهم الله تعالى - بإكرامه إكرام الأهل والأصحاب وتلقيه بالبشر والطلاقة والترحاب وإحلاله من الإحسان محلاً سامياً وإنزاله من الإفضال منزلاً عالياً والاعتناء الوافر بأمره واستجلاب بث حمده وشكره والتقاط درر فوائده واكتسلب غرر فرائده والإصغاء إلى المنثور والمنظوم من أقواله والتعجب من حسن بداهته وسرعة ارتجاله‏.‏

وليحتفل كل يوم بخدمته غاية الاحتفال ويعتن بأمره اعتناء لا يشاركه تقصير ولا إهمال ويرعى له حق الضيف الجليل والقادم الذي إذا رحل عن بلده أبقى له بها الذكر الجميل ويساعد على ما توجه بصدده كل ساعة يعود نفعها عليه وينفق مما آتاه الله ويحسن كما أحسن الله إليه‏.‏

ونحن نؤكد على الجماعة - أيدهم الله - في ذلك كل التأكيد ونبالغ فيه مبالغة ما عليها من مزيد ونحذرهم من الإهمال والتسويف والتقصير ومن مقابلة جنابه الكريم بالنزر الحقير والقدر اليسير فإكرام هذا الرجل ليس كإكرام من لم يسر بسيره وما هو إلا لعلمه وفضله وخيره وفد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏ وليس من يكرم لنفسه كالذي يكرم لغيره ‏"‏‏.‏

فلتعظموه كل التعظيم وتنزلوه منزلة تليق بأهل الفضل والإفضال وترفعوا له المقام وترفع له المقال ليعود محقق الآمال مبلغ المقاصد ناشراً ألوية الثناء والمحامد مشمولاً بجميل الصلة والعائد ونحن منتظرون ما يرد عنه من مكاتباته الكريمة بما وصل إليه من ‏"‏ المنازل ‏"‏ الحسنة‏.‏

وفي هممهم العلية ومكارمهم السنية ما يغني عن التأكيد بسببه والوصية والله تعالى يديم عليهم سابغ الإفضال والإنعام ويجمل بوجودهم وجودهم الأحكام والحكام بمنه وكرمه‏.‏

الصنف الرابع ما يكتب في افتتاحات الكتب فمن ذلك ما يكتب في أوائل كتب الأوقاف وهذه نسخة خطبة في ابتداء كتاب وقف على مسجد وهي‏:‏ الحمد لله جامع الناس ليوم لا ريب فيه إنه لا يخلف الميعاد وناصر الدين المحمدي بنبينا صلى الله عليه وسلم وعلى آله الكرام الأمجاد ومشرف هذه الأمة بالأئمة والجمعة والجماعات من أهل الرشاد وجاعل من ارتضاه من أرباب سنة نبيه المختار من عباده العباد ومسير القربات إليه لأهل السداد ومريد الأعمال الصالحات ممن أخلصه بالطاعات ومزيد الإرفاد ومفضل الأوقاف على أفضل وجوه البر من جعله للخير أهلاً بالنفع المعتدي وكثرة الأمداد ومعظم الأجر لمن بنى بيتاً لله بنية خلية من الرياء والعناد وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ من بنى مسجداً لله ولو كمفحص قطاة بنى الله تعالى له به قصراً في الحنة ‏"‏ ونرجو من كرم الله الازدياد‏.‏

أحمده على مواد نعمه التي جلت على التعداد وأشكره شكراً وافياً وافراً نجعله ذخيرة ليوم التناد وأستمد من اللطف لوازم الفضل الخفي وهو الكريم الجواد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله الخاتم الحائم على حوضه الوارد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما أصغي إلى الذكر وأجيب كل داع من حاضر أو باد‏.‏

وبعد فلما كانت المثوبات مضمونة الأجر عند الكريم والأعمال متعددة في التقديم وكان بنيان المساجد وافراً أجراً لمن أقام بواجب تبيان الظن الجميل وسدد إلى الخيرات سيراً وقد قال تعالى‏:‏ ‏"‏ أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي خيراً ‏"‏ ورأى العقلاء أن الأوقاف على المساجد والجوامع من أنفس قواعد الدين وأعلى - فلذلك قيل في هذا الإسجال المبارك‏:‏ هذا ما وقفه وحسبه وسلبه وأبده فلان‏.‏

وقف وحبس رغبة في مزيد الثواب ورجاء في تهون تهويل يوم الحساب واغتناماً للأجر الجزيل من الكريم الوهاب لقول الله تعالى في الآيات المبرورة‏:‏ ‏"‏ من ذا الذي يقرض الله قرضاَ حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة ‏"‏‏.‏

وقف بنية خالصة وعزيمة صالحة ونية صادقة ما هو له وفي ملكه وحوزه ويده وتصرفه من غير مناظر له في ذلك ولا شريك ‏"‏ ثم يذكر الوقف ‏"‏‏.‏